تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
إعداد الأستاذ محمد أحمد النادي
الحلقة التاسعة عشرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
أحبتنا الكرام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: الخوف من الله في السر والعلانية فرض، ودليل ذلك الكتاب والسنة.
أما من السنة فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد”. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت، فقال ما يبكيك؟ أأكرهتك؟ قالت: لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال: تفعلين أنت هذا من مخافة الله! فأنا أحرى، اذهبي فلك ما أعطيتك، ووالله لا أعصي الله بعدها أبدا. فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: إن الله قد غفر للكفل فعجب الناس من ذلك” رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي ورواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي في شعب الإيمان.
روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعلا، أنه قال: “وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة”.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الآية:{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}. (التحريم6) تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم، فخر فتى مغشيا عليه، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده، فإذا هو يتحرك، فقال: يا فتى، قل لا إله إلا الله فقالها فبشره بالجنة، فقال أصحابه: يا رسول الله، أمن بيننا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما سمعتم قول الله عز وجل: {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد}. (إبراهيم14) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، قول الله عز وجل: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}. (المؤمنون60) أهو الذي يزني، ويسرق، ويشرب الخمر؟ قال: “لا، يا بنت أبي بكر أو يا بنت الصديق ولكنه الرجل يصوم، ويتصدق، ويصلي، وهو يخاف أن لا يتقبل منه”. (رواه البيهقي في الشعب والحاكم في المستدرك، وصححه، ووافقه الذهبي).
وعن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا، قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، حلهم أو جلهم لنا أن لا نكون منهم، ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم من إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها”. (رواه ابن ماجه). وقال الكناني صاحب مصباح الزجاجة هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
وروى البخاري في صحيحه قال: حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حديثين أحدهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن نفسه قال إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا قال أبو شهاب بيده فوق أنفه …”.
وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي”.
وروى ابن حبان في صحيحه عن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما كره الله منك شيئا فلا تفعله إذا خلوت”.
وروى البيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: “كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد”. قال الكناني هذا إسناد صحيح.
وروى الترمذي في سننه عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر، وكان غامضا في الناس، لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا، فصبر على ذلك، ثم نفض بيده فقال: عجلت منيته، قلت بواكيه، وقل تراثه.
وروى الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد عن بهز بن حكيم قال أمنا زرارة بن أبي أوفى رضي الله عنه في مسجد بني قشير فقرأ سورة المدثر فلما بلغ قوله تعالى: {فإذا نقر في الناقور} خر ميتا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “جهزوا صاحبكم” فكنت فيمن احتمله إلى داره.
وروى الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: “من لقي منكم العباس فليكفف عنه، فإنه خرج مستكرها، فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آباءنا وإخواننا وعشائرنا، وندع العباس؟ والله لأضربنه بالسيف! فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص- قال عمر رضي الله عنه إنه لأول يوم كناني فيه بأبي حفص- يضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟ فقال عمر: دعني فلأضرب عنقه فإنه قد نافق، وكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت، ولا أزال خائفا حتى يكفرها الله عني بالشهادة. قال: فقتل يوم اليمامة شهيدا”.
أيها المسلمون:
أرأيتم كيف كان خوف الصحابة وخشيتهم من الله تعالى؟ وكيف كان إيمانهم به سبحانه؟ وكيف كانت الأفكار التي يتلقونها من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تتجسد لديهم، وتتحول إلى مفاهيم يصدقون بها تصديقا جازما، يحدثهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة فيغشى عليهم، وكأن هذا اليوم قد صار واقعا محسوسا. فهل لدينا إيمان مثل إيمانهم؟ انتظروا الإجابة في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، وكان في العمر بقية.
أحبتنا الكرام:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.