Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة الثامنة والثلاثون

 

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”

الحلقة الثامنة والثلاثون

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “الثبات على الحق أثناء حمل الدعوة”. وحديثنا عن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة، كنا قد تحدثنا عن عشرة منها، ونواصل فنقول:

 

حادي عشر: المقاطعة: روى ابن سعد في الطبقات عن الواقدي عن ابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، دخل حديث بعضهم في حديث بعض: وكتبوا كتابا على بني هاشم ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم، وقطعوا عنهم الميرة والمادة، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد، وسمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب، فمن قريش من سره ذلك، ومنهم من ساءه، فأقاموا في الشعب ثلاث سنين، وذكر الذهبي في التاريخ خبر المقاطعة من طريق موسى بن عقبة عن الزهري.

 

ثاني عشر: الاستهزاء والغمز: روى ابن هشام في السيرة قال ابن اسحق فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، عمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة: فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال له أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به. وأخرج ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال: قد حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا، فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن فمر بهم طائفا بالبيت، فلما أن مر بهم غمزوه ببعض القول، قال: وعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى صلى الله عليه وسلم، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى صلى الله عليه وسلم، فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ثم قال: “أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح”.

 

ثالث عشر: ضرب العلاقة بين القيادة والأتباع: روى مسلم عن سعد قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}. (الأنعام52)

 

رابع عشر: المساومة على المبدأ بالرئاسة والمال والنساء: روى أبو يعلى في المسند وابن معين في تاريخه بإسناد رجاله ثقات غير الأجلح وقد وثق، عن جابر بن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش لقد انتشر علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره، فقال عتبة: لقد سمعت قول السحرة والكهانة والشعر، وعلمت من ذلك علما، وما يخفى علي إن كان كذلك، فأتاه فلما أتاه قال له عتبة: يا محمد أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فلم يجبه، قال: فبم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا؟ فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسنا، وإن كان بك الباء زوجناك عشر نسوة، تختار من أي بنات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم.

 

فلما فرغ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سورة فصلت قوله تعالى {بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون}. حتى بلغ قوله تعالى: {فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}. (فصلت13)

 

فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، انطلقوا بنا إليه، فأتوه فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما خشينا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمدا أبدا، وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا، ولكني أتيته، فقص عليهم القصة، فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم.كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون}. حتى بلغ قوله تعالى: {فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}. (فصلت13) فأمسكت بفيه، وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينـزل بكم العذاب.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

محمد أحمد النادي