Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة الثانية والأربعون

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الثانية والأربعون

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المسلمون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو “ثبات النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام على حمل الدعوة”.

ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين … فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له: “إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك، فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان، قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر: إني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل!

ومن ذلك ما رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة، أنشأ وأسمع للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه وأنا معه أتبع أثره، أعقل ما أرى، وأسمع فأتاه، فقال: يا جميل، إني قد أسلمت، قال: فوالله ما رد عليه كلمة حتى قام عامدا إلى المسجد، فنادى أندية قريش، فقال: يا معشر قريش، إن ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر: كذب، ولكني أسلمت وآمنت بالله، وصدقت رسوله، فثاوروه، فلم يزل يقاتلهم منذ غدوه حتى ركدت الشمس على رءوسهم، وحتى فتر عمر وجلس فقاموا على رأسه، فقال عمر: يا أعداء الله وأعداء رسوله، افعلوا ما بدا لكم، فوالله لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم، فبينما هم كذلك قيام عليه، إذ جاء رجل عليه حلة حرير وقميص قومسي، فقال: ما بالكم؟ فقالوا: إن ابن الخطاب قد صبأ، قال: فمه، أي كفوا عن إيذائه، امرؤ اختار دينا لنفسه، فدعوه وما اختار لنفسه، أفتظنون أن بني عدي ترضى أن يقتل عمر؟ لا والله لا ترضى بنو عدي، قال: فكأنما كانوا ثوبا انكشف عنه، فقلت له بعد ذلك بالمدينة: يا أبت، من الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ؟ فقال: يا بني، ذاك العاص بن وائل أبو عمرو بن العاص.

ومنها ما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن عثمان قال: “لما رأى عثمان بن مظعون رضي الله عنه ما فيه أصحاب رسول الله من البلاء وهو يروح ويغدو في أمان من الوليد بن المغيرة قال: “والله إن غدوي ورواحي آمنا في جوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، لنقص كبير في نفسي!”. فمشى إلى الوليد بن المغيرة، فقال له: يا أبا عبد شمس! وفت ذمتك، وقد رددت إليك جوارك! قال: لم يا ابن أخي! لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله عز وجل، ولا أريد أن أستجير بغيره! قال: فانطلق إلى المسجد، فاردد علي جواري علانية، كما أجرتك علانية. قال: فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد بن المغيرة: هذا عثمان، قد جاء يرد علي جواري، قال عثمان رضي الله عنه: صدق، قد وجدته وفيا، كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره! ثم انصرف عثمان رضي الله عنه، والشاعر لبيد بن ربيعة في المجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. فقال عثمان: صدقت. فقال لبيد: وكل نعيـم لا محالـة زائل!

فقال عثمان: كذبت، فإن نعيم أهل الجنة لا يزول! قال لبيد بن ربيعة: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم! فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه فارقوا ديننا، فلا تجدن في نفسك من قوله، فرد عليه عثمان حتى سرى أي عظم أمرهما. فقام إليه ذلك الرجل ولطم عينه فخضرها، أي لطم خده لطمة قوية جعلت عينه خضراء أو سوداء من شدة اللطمة. والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان. فقال الوليد: أما والله يا ابن أخي! إن كانت عينك عما أصابها لغنية، ولقد كنت في ذمة منيعة.

فقال عثمان: بل، والله! إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله! وإني لفي جوار من هو أعز وأقدر يا أبا عبد شمس! فقال له الوليد: هلم يا ابن أخي إلى جوارك فعد، قال: لا، وكان عثمان بن مظعون رضي الله عنه شاعرا فقال فيما أصيب من عينه:

فإن تك عيني في رضا الرب نالها يدا ملحـد في الدين ليس بمهتد
فقـد عوض الرحمن منها ثوابه ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعد
فإني وإن قلتم غـوى مضـلل سفيه على دين الرسول محمـد
أريـد بذاك الله والحق ديننـا على رغم من يبغي علينا ويعتدي

ورغم ثبات الصحابة y، إلا أنهم شكوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبوا منه أن يدعو ويستنصر لهم، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: “كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم، أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون”.

أجل أيها المسلمون هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم! لم يكونوا ثابتين على الحق أثناء حمل الدعوة فحسب، بل كانوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:

كأنهم في ظهور الخيـل نبت ربا من شدة الحزم لا من شدة الحزم
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبـه بالكـرام فلاح

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي