Take a fresh look at your lifestyle.

نظرةٌ في بشارة تحققت وأملٌ في أن يكون لنا سهم في العمل لتحقيق البشارات الباقية

 

 

نظرةٌ في بشارة تحققت
وأملٌ في أن يكون لنا سهم في العمل لتحقيق البشارات الباقية

 

تعاني الأمّة الإسلامية اليوم من تسلط حكام ظلمة فجرة مهدوا الطريق لتكالُب أعداء الأمة عليها، ولاستباحة حماها، وانتهاك حرماتها وإهانة مقدساتها ونهب ثرواتها، وحرمان أهلها منها، فتحوا لهم البلاد لينطلقوا ببوارجهم وقاذفاتهم لقتل المسلمين، يجربون عليهم كل أنواع الأسلحة الفتاكة، وقيدوها بعهود ومواثيق جعلت العديد من المسلمين لا يفكرون بنصرة إخوانهم المسلمين الذين يعيشون خارج حدود بلادهم، لكن هذه ستكون بإذن الله مرحلة عابرة في عمر الزمان، سبقها تاريخ مشرف، فيه العزة والكرامة، وتحققت فيه بعض بشارات النبوة، وسيأتي على الأمة الإسلامية مستقبل تكتمل فيه ما بقي من البشارات التي لم تتحقق بعد.

فما أحوجنا في ظل هذه المرحلة أن نتذاكر تاريخا يحكي قصص حصون دُكّت ومدن فُتحت على يد رجال أبطال عرفوا معنى العزة وتلبسوا بأسباب النصر، نتذاكره لنرفع الهمم ونطرد اليأس والكسل، ليعود مجدُ الإسلام من جديد، وسوف نركز في هذه المقالة على فتح القسطنطينية لأمرين وهما:

1- أن ذكرى هذا الفتح يصادف في العشرين من الشهر الهجري الحالي (جمادى الأولى).

2- أن تحقُق بشارة فتح القسطنطينية لا بد أن يتبعه تحقُق بشارة فتح آخر، جمع بينهما رد الرسول e، حين سُئل: “أيُّ المدينتين تُفتح أوَّلاً: قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله e: «مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً – يَعْنِي قُسْطَنِطْيِنيَّةَ». أخرجه أحمد في مسنده، وصَحَّحَه الحاكم، والذهبي، والألباني.

عندما نذكر القسطنطينية فنحن نتذكر مكانتها التاريخية وموقعها الجغرافي المتميزين، كونها سابع أكبر مدينة في العالم، وتقع عند نقطة التقاء قارتي آسيا وأوروبا عن طريق مضيق البوسفور الذي يصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأسود وبواسطة بحر مرمرة، فهي عقدة المواصلات وطريق الملاحة، ولها ميناء القرن الذهبي الذي يُعد أوسع وآمن ميناء في العالم، مما جعل نابليون يقول: “لو كانتِ الدُّنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمةً لها”.

نستذكر مدينة ظلت عصية على الفاتحين ما يزيد على الثمانية قرون، وكان صمودها يزيد المسلمين رغبةً وتصميماً في معاودة الفتح؛ فقد كان فشل المسلمين في تحقيق هدفهم في هذه المحاولة رغم طول مداها الزمنيّ، يرجع إلى قوة تحصين المدينة، وانقطاع الحصار في فصول الشتاء لبرودة الطقس التي لم يعتَد عليها المسلمون، وطبيعة التيارات المائية في سواحلها المحيطة بها، والنار الإغريقية المكوّنة من النفط والكبريت والقار، والتي كان البيزنطيون يقذفون بها سفن الأسطول الإسلامي فتشتعل بها النار، ولا تنطفئ إلا بالخل والرمل.

نتذكر فتحا كان حلماً غالياً وأملاً عزيزاً راود العديد من القادة والفاتحين وتسابق عليه العديد من الخلفاء زمن الخلافة الأموية والعباسية ثم العثمانية، آملين في أن تتحقق بشارة الفتح على يد واحد منهم، ليكون هو نعم الأمير وليكون جيشه نعم الجيش، حسب ما بشّر به النّبي عليه الصّلاة والسّلام.

نتذكر خليفة شاباً شجاعاً مقداماً فذاً سريع البديهة، شديد الإيمان بحتمية الفتح يوماً ما، إنه السُّلْطان محمد الثاني، ابن مُراد الثاني رحمه الله تعالى الذي تم على يديه الفتح وحاز ذلك الشَّرَف، حتى صار يُلقب بـ”محمد الفاتح”، تطلع إلى الفتح منذ صغره، وبدأ بالتخطيط والترتيب له فور توليه الحكم، فقوى جيشه الذي وصل تعداده الربع مليون، وأعده إعداداً مادياً ومعنوياً، وبنى قلعة ضخمة (قلعة روملي) على الجانب الأوروبي في مواجهة أسوار القسطنطينية، مقابل قلعة الأناضول التي أنشأها السُّلطان بايزيد على ضفة البوسفور الآسيوية في أضيق نقطة من المضيق، ونصب المجانيق والمدافع الضخمة على الشاطئ لقصف السفن القادمة من المناطق المجاورة والتحكّم في عبور السُّفُن من شرق المضيق إلى غربه منعا لوصول الإمدادات إلى القسطنطينية، مما مهد له الطريق لعقد المعاهدات اللازمة.

لقد ساعدت النظرة إلى الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لموقع مدينة القسطنطينية في زيادة الأمل بأن يكون فتحها وانضمامها إلى الدّولة الإسلاميّة مقدّمةً لمزيدٍ من الفتوحات الإسلاميّة، وهذا ما كان فعلا.

فمن الآثار السياسية لفتح القسطنطينية:

– سقوط عاصمة الإمبراطوريّة البيزنطيّة التي كانت تشكّل تهديداً للدّولة الإسلاميّة.

– أصبحت للدّولة العثمانيّة قوّة يُرهب جانبها من قبل الأمم المجاورة لها، فالدّول والمدن التي كانت موجودة آنذاك في أوروبا، أصبحت تسارع لطلب رضا الخليفة العثمانيّ من خلال عقد المعاهدات التي تضمن أمنها وسلامتها.

– صار للدّولة العثمانيّة أسطولٌ بحريٌّ قويٌّ يتحكّم في حركة الملاحة في هذه المنطقة المهمّة من العالم.

– أعطى الفتح الدّولة العثمانيّة نفوذاً كبيراً مكّنها من نشر ثقافتها الإسلاميّة بِحُرّية في منطقة جنوب أوروبا وشرقها، ودخل كثيرٌ من الأوروبيّين الإسلام نتيجة ذلك.

ثبت عن النبي e أنَّ فتح القسطنطينية سيسبق فَتْح رومية، فلم يغب عن ذهن السلطان “محمد الفاتح” فتح رومية ورفْع لواء الإسلام عليها بعد أن فتح القسطنطينية، يحركه في ذلك يقينه بالله وبشارة الرسول e بفتح رومية، حتى إنه أقسم بأن يربط حصانه في كنيسة القديس بطرس (الفاتيكان)، إلا أن المنية وافته وهو يُعِدُّ جيشاً كبيراً لفتحها.

وهنا نريد أن نضع لمسة على تلك البشارة: لعله لحكمة عظيمة أخبرنا النبي e بفتح رومية بالتحديد، وليس أي مدينة أوروبية أخرى!! فروما يوجد بها الفاتيكان والذي هو معقل ومركز النصارى، وبما أن القسطنطينية كانت قبل الفتح هي العاصمة المُقَدَّسَة الكبرى لنصارى الشرق، حين جعلها الإمبراطور قسطنطين عاصمةً للإمبراطورية الرومانيّة الشرقيّة (الإمبراطوريّة البيزنطيّة)، وفيها كنسية “آيا صوفيا” – والتي حولها الخليفة محمد الفاتح إلى مسجد – كانت مقر الأرثوذكس العالمي، التي تضاهي الفاتيكان مقر الكاثوليك العالمي، فلربما هذا يعطي دلالة على أن المقصود ليس فتح روما فقط وإنما فتح الإسلام على جميع النصارى الموجودين في العالم الإسلامي الشرقي والغربي، ولذلك بشر النبي e أن رومية ستفتح بعد القسطنطينية.

إنه وللأسف عندما ننظر اليوم إلى حال مدينة “إسطنبول” – الاسم الحالي لمدينة القسطنطينية – بعد ضياع حاضنتها الخلافة وما آلت إليه في ظل النظام العلماني الذي يطبق عليها، نرى كيف أنها صارت وجهة من يريد التجارة أو الرفاهية والتمتع بالمناظر الخلابة!! فقليل من يذهب إلى هناك ليبحث في معالمها التاريخية الإسلامية ويستذكر الفتح والفاتح والبشارة ويستذكر أن هناك بشارات أخرى حتما سوف تتحقق يوما ما، فيجتهد في أن يكون له سهم في تحقيقها.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
راضية عبد الله

#فتح_القسطنطينية
#القسطنطينية

2020_01_13_Art_A_glimpse_of_the_acheived_glad_tiding_AR_OK.pdf