تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الثامنة والخمسون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو: “الشوق إلى الجنة، واستباق الخيرات”. ومما حمى الله منه أهل الجنة ودفعه عنهم:
أولا: الغل: في قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}. (الحجر47) ثانيا: النصب: في قوله تعالى: {لا يمسهم فيها نصب}. (الحجر48) ثالثا: الخوف والحزن: في قوله تعالى: {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون}. (الزخرف68) ونعيم الجنة دائم لا يزول، وأهلها لا يخرجون منها، ومن أدلة ذلك قوله تعالى: {وما هم منها بمخرجين}. (الحجر48) وقوله تعالى: {وأنتم فيها خالدون}. (الزخرف71) وقوله تعالى: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم}. (الدخان56) وقوله تعالى: {وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون}. (الأنبياء102) هذه هي الجنة، فسارعوا إليها قال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}. (آل عمران133) واستبقوا الخيرات إليها {فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير}. (148) بذلك ينصركم الله سبحانه في الدنيا، وتكونون في أعلى عليين، مع الذين أنعم الله عليهم في الآخرة قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}. (النساء69). ومن أولى من حملة الدعوة في استباق الخيرات، والمسارعة إلى المغفرة والجنة ورضوان من الله أكبر؟ والخيرات التي أمرنا الله أن نستبقها ونبادر ونسارع إليها أنواع منها:
أولا: فروض الأعيان: كالصلوات المفروضة، والزكاة المفروضة، وصوم رمضان، وحجة الإسلام، والتفقه فيما يلزم الإنسان في حياته، وجهاد الدفع، والجهاد إذا استنفره الخليفة، والدخول في بيعة الطاعة، والنفقة الواجبة والسعي لها، وصلة الرحم المحرم، ولزوم الجماعة، وغيرها.
ثانيا: فروض الكفاية: كإيجاد أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وجهاد الطلب، وبيعة الانعقاد، وطلب العلم والرباط، وغيرها. وهذه الفروض بنوعيها هي أفضل ما يتقرب به إلى الله سبحانه، ولا يدرك العبد رضوان ربه إلا بأداء هذه الفروض، بدليل حديث أبي أمامة عند الطبراني في الكبير قال: عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”من أهان لي وليا فقد بارزني بالعداوة، ابن آدم لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك …”.
ثالثا: المندوبات: إذا أدى العبد ما افترضه الله عليه، وأتبعها بالمندوبات، وتقرب إلى الله بالنوافل تقرب الله منه وأحبه. ففي حديث أبي أمامة السابق عند الطبراني في الكبير “… ولا يزال عبدي يتحبب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون قلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به، وبصره الذي يبصر به، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإذا استنصرني نصرته وأحب عبادة عبدي إلي النصيحة”.
وعند البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: “أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة”.
أجل أيها المسلمون، هذه هي الجنة أو الجنات التي أعدها الله جل في علاه لعباده المؤمنين، وهذه هي سبل الوصول إليها، فشمروا عن ساعد الجد، وكونوا من عباد الله الصالحين المخلصين، وجدوا واجتهدوا في طاعة الله ورسوله، وفي الصبر على المكاره، تمسكوا بالفروض بنوعيها: فروض الأعيان وفروض الكفاية، وافعلوا المندوبات التي تقربكم من الله تعالى، ورتـبوا أعمالكم حسب سلم الأولويات: الأولى فالأولى، كما حددها الشرع الحنيف، وتنافسوا في طلب الجنة، فهي غالية وتستحق أن يبذل من أجلها الغالي والنفيس، واعملوا لمجد أمتكم؛ كي تسعدوها، وتخرجوها من الظلام الذي هي فيه، وتفوزا بجنة ربكم، ولله در الشاعر حيث قال:
يـا ليـل أمتنـا الطويـل مـتى نـرى فجـرا تغرد فوقه الأمجاد؟
دعنـا نسافـر في دروب إبائنا ولنـا مـن الهمـم العظيمـة زاد
ميعادنـا النصـر المبيـن فــإن يكن مـوت فعند إلهنـا الميعـاد
دعنـا نمـت حتى ننـال شهادة فالمـوت في درب الهـدى ميلاد
هذي بساتيـن الجنـان تزيـنت للخاطبيـن فأيـن مـن يرتـاد؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد أحمد النادي