مع القرآن الكريم – يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً}
سبب النزول : كان بين رجل من اليهود ورجلٍ من المنافقين خصومة فقال اليهودي أُحاكم إلى محمد لأنه علم أنّه لا يقبل الرشوة ولا يجور في الحكم، فقال المنافق لا بل بيني وبينك كعب بن الأشرف (وهو أحد حكّام الجاهلية) لأنه علم أنه يأخذ الرشوة فنزلت الآية عن أكثر المفسرين.
تفسير ابن كثير : يقول ابن كثير ـ رحمة الله ـ في تفسيره المشهور في معرض تفسيره لهذه الآية، بأنّ هذا إنكارٌ من الله عزّ وجلّ على من يدّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، ومع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنّة رسوله.. وقيل غير ذلك، والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامّةٌ لمن عَدَلَ عن الكتاب والسنة، وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا.
تفسير فتح القدير : ويقول الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ في تفسيره “فتح القدير”، وفي معرض تفسيره لهذا الآية، أنَّ قول الله عزّ وجل: ( ألم تر إلى الذين يزعمون ) فيه تعجب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حال هؤلاء الذين ادّعوا لأنفسهم أنهم قد جمعوا بين الإيمان بما أُنزل على رسول الله، وهو القرآن، وما أُنزل على من قبله من الأنبياء، فجاءوا بما ينقض عليهم هذه الدعوى ويبطلها من أصلها ويوضح أنهم ليسوا على شيء من ذلك أصلاً، وهو إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت، وقد أُمروا فيما أنزل على رسول الله وعلى من قبله أن يكفروا به. قوله: (ويريد الشيطان ) معطوف على قوله: (يريدون) والجملتان مسوقتان لبيان محل التعجب، كأنه قيل ماذا يفعلون؟ فقيل يريدون كذا، ويريد الشيطان كذا.
تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن: ويقول الطبرسي ـ رحمه الله ـ في تفسيره “مجمع البيان في تفسير القرآن” في معرض تفسيره لهذه مّا أمر الله أولي الأمر بالحكم والعدل وأمر المسلمين بطاعتهم وصل ذلك بذكر المنافقين الذين لا يرضون بحكم الله ورسوله فقال (ألم تر ) أي ألم تعلم. وقيل أنه تعجب منه أي ألم تتعجب من صنيع هؤلاء. وقيل ألم ينته علمك (إلى) هؤلاء (الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ) من القرآن: (وما أنزل من قبلك) من التوراة والإنجيل: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) وروى أصحابنا عن السيدين الباقر (ع) والصادق (ع) أن المعني بكل كل من يُتحاكم إليه ممن يحكم بغير الحق: (وقد أُمروا أن يكفروا به) يعني به قوله تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعورة الوثقى لا انفصام لها ). (ويريد الشيطان ) بما زين لهم: (أن يضلهم ضلالاً بعيداً) عن الحق.
التحاكم إلى الطاغوت : من هنا نرى كيف أن الله وَسَمَ الذين يتحاكمون إلى الطاغوت (الكفر) ويتركون حكم الإسلام بأنّهم: (يزعمون أنهم آمنوا) فلو أنَّهم حقاً آمنوا لما تحاكموا إلى الكفر وتركوا المحجَّة والله عزَّ وجل يقول: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون } صدق الله العظيم.