Take a fresh look at your lifestyle.

كلمة في ذكرى هدم الخلافة – 1431 هـ

 

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ،الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وبعد:

فمعذرةً إلى ربِّنا، فبدلاً من الاحتفال بعودة الخلافة الراشدة ،ها نحن نتسابق في رثاء الخلافة الأولى التي أسقطها الكفار المستعمرون على أيدي خونة العرب والترك ،بعد الانتصار الباهر للحلفاء في الحرب العالمية الأولى، ونتج عن ذلك تحطمُ الدولةِ العثمانيةِ وتفكُكُها إلى أجزاءَ صغيرةٍ واستولى الحلفاءُ على بلاد العرب جميعِها، وسلخوها عن الدولة، ولم يبق للعثمانيين سوى بلادُ الأتراكِ والتي هي كذلك لم تَسْلمْ من احتلال الانجليز للبسفور و الدردنيل،واحتل الفرنسيون قسماً من استانبول وكذلك ايطاليا، فقد احتلت بعضَ الأجزاء وخطوطَ المواصلات. وأشاع الحلفاء دعْواتِ الانفصال والاستقلال عند العرب والترك وركِبوا موجاتِ بعضِ التحركات المخلصة لإجهاضها، إذ تدخّلوا بواسطة العملاء في مؤتمر الخلافة في القاهرة عامَ 1924وعملوا على فضِّه وإخفاقه . وفي تلك السنة أخذ الانجليز يعملون لإلغاء جمعية الخلافة في الهند ولإحباط مساعيها وتحويل تيارها إلى الناحية الوطنية و القومية .

و مما زاد الطينَ بِلَّةً، ما صدر عن بعض علماء الأزهر من مؤلفاتٍ تدعو إلى فصل الدين عن الدولة، وتدّعي أن الإسلام ليس فيه أصولُُ للحكم، وتصوِّر الإسلامَ أنه دينٌ كهنوتيٌّ كباقي الأديان.

ولم يكتفِ الكافرُ المستعمر بهذا فحسب، بل أوجد في كل بلد من بلاد المسلمين عملاءَ له، حتى أن بعض حَسَنِي النيةِ عقدوا المؤتمرات مطالبين بالاستقلال ضِمْنَ المخططات الموضوعة لهم.

ولقد قام هؤلاءِ العملاءُ والمشتغلون بالسياسةِ بتطبيق القوانين الغربية على بلاد المسلمين تحت إشراف أسيادهمُ الكفارِ، الذين قاموا بدورهم بصرف المسلمين عن التفكير بالدولة الإسلامية بأعمالٍ تافهةٍ يَلْهَوْنَ بها، فقد شجَّعوا المؤتمراتِ المسماةَ إسلاميةً لتكون أُلْهِياتٍ في أيدي المسلمين تُلهيهم عن العمل الحقيقي لعودة الإسلام إلى واقع الحياة ،فكانت هذه المؤتمراتُ مُتَنفّساً للعواطف، تتخذ القراراتِ غيرَ القابلةِ للتطبيق، وتنشرُها في وسائلِ الإعلام لمجرد النشر.

وها هم قد ابتدعوا علينا اليوم بمُسْكِتاتٍ جديدةٍ مثل سفن المساعدات و فتح المعابر و تخفيف الحصار أو رفعه و غيرها من الألفاظ التي ما أنزل الله بها من سلطان.

أمّا وإن نجح هؤلاء الكفار في هدم دولة الخلافة، فإنّ بشائر عودتها تلوح في الأفُق. وبدأ المسلمون بتحديد القضية المصيرية لهم، وهي إعادةُ تطبيق الإسلام في الحياة والدولة والمجتمع، عن طريق إقامة دولة الخلافة، ونصب خليفة واحدٍ للمسلمين، يبايعونه على السمْع والطاعة ،على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله، ويهدمَ أحكامَ الكفر وأنظمته، ويوحِّدَ بلادَ المسلمين في دولة الخلافة، ويحملَ الإسلام رسالةَ هدىً و نورٍ إلى العالم بالدعوةِ والجهاد.

فيا أيها المسلمون: اعملوا مع العاملين المخلصين الواعين لإعادة الخلافة من جديد. انبُذوا أفكار الكفر التي غزت العالم الإسلامي أثناء العصر الهابط التي تتناقض و أفكارَ الإسلام وهي قائمةٌ على فهم خاطئ للحياة ولِما قبلَها وما بعدَها.والتي كوَّنت عند المسلمين وخاصة فئة المثقفين عقليةً سياسيةً مُشْبَعَةًً بالتقليد بعيدةً عن الابتكار.

ارفضوا البرامج التعليمية التي وضعها المستعمرُ والتي تطبَّق في المدارس والجامعات، لتخرِّجَ منها مَن يدير البلاد بعقليةٍ خاصةٍ ليكونوا حكاماً يديرون الحكم نيابة عنه وِفقاً لما رسمه لهم.

فاتركوا المعارف الثقافيةَ، والتي تُوهِمُ المسلمين بأنها علومٌ عالميةٌ كعلم الاجتماع، وعلم النفس، وعلومِ التربية. وهاهم الذين تعلموها يستشهدون بها أكثرَ ما يستشهدون بالكتاب والسنة.

صحّحوا مفاهيمكم عن الحياة… وابتعدوا عن الحركات السياسية القائمة على الأساس الوطني والقومي والاشتراكي والتي تثير عندكم العصبيةَ العنصريةَ والتصوراتِ الارتجاليةَ.

أمّا أنتم أيها العلماء…. فقد كان مَن سبقكم يدركون قول الرسول عليه الصلاة و السلام : (( العلماء ورثة الأنبياء)) ، حيث أظهروا في عصور الدولة الإسلامية مآثرَ جليلةً سجلوها في مواقفهمُ الخالدةِ و الفذةِ مع الحكام… أبانوا فيها حقيقةَ الشريعةِ الإسلاميةِ في صلابة الموقف من المنحرفين عنها و لو قيدَ أُنّمُلَةٍ ، متحمِّلين بصبر و شجاعة ما ينتج عن الجهر بكلمة الحقَ عند سلطان جائر، غيرَ هيّابين سلطانَ الحكام و لا قوة الدولة و لا صَوْلةَ الجند.

و قد ذكر لنا التاريخ الحديث و القديم نماذجَ يُعتَزُّ بها لمواقفِ بعض العلماء رحمهم الله من حكامهم في غِلظةِ الكلام و شدة الإنكار و عظيم المحاسبة.

و أما انتم يا أهل القوة: هُمُّوا إلى نَصرة دينكم و ارفعوا أيديَكم عن الحكام الخونة الذين باعوا أنفسهم للشيطان و تخلُّوا عن حمايتهم، و لا تحفظوا أسرارهم ولا تقبلوا لأنفسكم بأن تكونوا جواسيسَ لهذه الأنظمة العميلة، و سلِّموا الحكمَ لحَمَلَةِ الدعوة المخلصين، و الذين باعوا أنفسَهم لله كي تسعدوا في الدنيا والآخرة.

أما أنتم أيها الحكام …فاعلموا أن حكمكم مهما طال قصيرٌ في عمر أمتكمُ الطويلِ، و أيامَ العمر تمضي سِراعاً، و ضَمَّةُ القبر بفتنتِه و سؤالِه آتيةٌ لا ريبَ فيها، و حسابَ الله عسيرٌ، فارجعوا إلى دينكم الذي تدَّعون الإيمان به و الانتسابَ إليه و ما أحوجَكم أيها الظلمة إلى الاتعاظِ بمَن هلك قبلَكم من الحكام الظالمين، و التأسّي بمَن أفضى إلى ربِّه راضياً مرضياً بعد حكمٍ بالإسلام، و إقامةِ العدل و نشرِ الخير.

فارحموا أنفسكم و ارحموا الناس، و خاصةً بعد الذي صاروا إليه، إنه و اللهِ مَئالٌ ما كان يطمع لمثله عدوٌ لئيمٌ و أثيم، و كافرٌ مستعمِرٌ عنيد.

و لنعدْ جميعاً إلى الله تعالى أولاً، فعنده النصر المبين إن أخلصنا النيةَ له، و اتبعنا شرعه ثم لِنَقُمْ مفرِّغين كلَّ جهودِنا لحمل راية العُقاب، و إقامةِ حكمِ القرآن، مضحين في سبيل إعلاء كلمة الله، و لو كره الكافرون و الظالمون. و لنبتعدْ عن الكسل و نُذْهِبْ عن نفوسنا الاستكانةَ و ننزِعْ عنها حبَّ السلامة، فليست تلك و الله من شيم الرجال الأبرار حملةِ الشريعةِ السمحة.

((يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم، و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه و أنه إليه تحشرون)). صدق الله العظيم

أبو شهاب