Take a fresh look at your lifestyle.

سلوكياتنا بين العادة والعبادة -ح1- غلاء المهور

 

اليوم سنتطرق لمشكلة استفحلت وانتشرت انتشارا كبيرا كانتشار النار في الهشيم ألا وهي”غلاء المهور”، فالمهر في الإسلام حقّ من حقوق الزّوجة تأخذه كاملا حلالا عليها، إلا أن المغالاة في المهور باتت من المشاكل التي يواجهها شبابنا في أيامنا الحالية فرغبة الشاب بالزواج تتوقف بمجرد سماع الشروط التي يمليها عليه أهل العروس أو العروس نفسها، إنها عادات مسمومة..وهي في الأساس مجرد مظاهر وقشور… والشاب عندما يتقدم للزواج و البحث عن الاستقرار في ظل أسرة وزوجة وأطفال … لا بهدف لشيء آخر … فلماذا نصعبها عليه ؟؟ والشباب الواعي المتزن الخلوق سيبادر دائما بخطبة من هي تناسبه دون الالتفات إلى الأمور الأخرى.. في نفس الوقت نجد أن نسبة الفتيات بدون زواج تتراوح مابين 40 إلى 60 بالمائة .. لذلك يجب على الآباء والأمهات الانتباه إليها وعدم خلق حواجز وتسهيل عملية الزواج…

وتبقى مشكلة الشباب هي نتيجة الأفكار العقيمة السقيمة بشأن الغلاء في المهور … فتجلس البنت تندب حظها وليت الذي كان لم يكن وهل ينفع الندم بعدها ؟؟ وماذا يمكنني أن أقول لعائلة .. لم ترضى إلا بمهر لا تدركه العقول ولا الأبصار ؟؟؟ ها هي الكارثة تحط على رؤوسنا لتتفاقم في مجتمعنا فتبذر لنا بذرة المرض النفسي الذي قد يسببه لنا عدم زواج الفتاة وشعورها بالنقص وأن لا أحد يرغب بالزواج منها، فالطمع الذي ساد العقول وأعمى القلوب هو مرض في النفوس. إن الإسلام حبب الناس في تيسير الزواج ، وحذرهم من تعطيله بوضع العقبات أمام الشباب المقدمين عليه، لما يترتب على ذلك من الفساد، كما نبه الإسلام أولياء أمور البنات أن يتخيروا لبناتهم الشباب الصالح، وأن يسارعوا بتزويجه إذا أتاهم خاطبا؛ دون النظر إلى كثرة المال وغلاء المهور. والشاب الذي يقف في طريق زواجه أب معوِّق له أن يذهب إلى غيره ولا يجب عليه دفع مهر غالٍ لا طاقة له به. فالواقع أن هذه مشكلة، وعقدة، عقدها الناس على أنفسهم، وشددوا فيما يسره الله تعالى عليهم،‏ فَعَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ ‏ ‏عَرِيضٌ “. (رواه الترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم).

والنبي صلى الله عليه وسلم حينما زوج بناته زوجهن بأيسر المهور، لم يشترط لهن المئات ولا الآلاف، وإنما أخذ أيسر المهور، وكذلك السلف الصالح، لم يكونوا يبحثون عن مال الرجل، وماذا يدفع، لأن البنت ليست سلعة تباع، إنما هي إنسان، فليبحث لها الأب أو الولي عن إنسان مثلها، إنسان كريم، كريم بدينه، كريم بخلقه، كريم بطباعه.فأهم ما في الزواج .. والذي يجب أن يطلبه الأب هو الدين والخلق، قبل كل شيء فماذا يغني الفتاة أن تتزوج، ويدفع لها مهر كبير، إذا تزوجت من لا خلق له، ولا دين له ؟ ولو فكرنا كما أراد لنا الدين، وكما شرع لنا الإسلام، لكان الدين والخلق هو أهم ما نبحث عنه، وأهم ما نسعى إليه، وأهم ما نحرص عليه، وما يجب أن يحرص عليه الآباء، ويحرص عليه أولياء البنات، ليس المهم كثرة الأموال التي يقبضها الآباء صداقًا ومهرًا عن بناتهم، إنما المهم الزوج، الذي يسعد البنت، والذي يتقي الله فيها. ولهذا قال السلف: ” إذا زوجت ابنتك فزوجها ذا دين، إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها ؛ لأن دينه يمنعه، وخلقه يردعه، حتى في حالة الكراهية، (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ).النساء 19

أيها الإخوة الكرام
لقد أمر الإسلام بالمسارعة بتزويج البنات، ‏فعَنْ ‏عَلِيِّ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ:”‏ثَلَاثَةٌ يَا ‏عَلِيُّ ‏لَا تُؤَخِّرْهُنَّ الصَّلَاةُ إِذَا أَتَتْ وَالْجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ‏ وَالْأَيِّمُ‏ ‏إِذَا وَجَدَتْ ‏كُفُؤًا”رواه أحمد.. فإذا حضر الكفء فلا ينبغي للأب أن يعوق من أجل أنه يريد أن يقبض شيئًا أكثر، كأنها سلعة يساوم عليها، هذا هو المفروض من الآباء المسلمين، ألا يعوقوا الزواج بهذه المهور، وبهذه المغالاة فيها، فإن هذا هو أكبر عقبة في سبيل الزواج، وكلما عقدنا في سبيل الزواج، وكلما أكثرنا من المعوقات والعقبات، كلما يسرنا بذلك سبل الحرام، وكلما سهلنا انتشار الفساد، وكلما أغوينا الشباب بأن يسيروا مع الشيطان، وأن يتركوا طريق العفة وطريق الإحصان، وطريق الحلال .

ما حيلة الشاب الذي يذهب ليتزوج فيجد هذه الطلبات المعوقة أمامه؟ ماذا يصنع؟ إنه سيُعرض عن الزواج ويبحث عن بيئة أخرى، ويترتب على ذلك كساد البنات، وفساد الرجال، هذه هي النتيجة الحتمية للمغالاة في المهور. ولا يخفي ما سببته المغالاة في المهور من المفاسد، فكم من حرة مصونة عضلها أولياؤها وظلموها فتركوها بدون زوج ولا ذرية وكم من امرأة ألجأها ذلك إلى الاستجابة لداعي الهوى والشيطان فَجَرَّت العار والخزي على نفسها وعلى أهلها وعشيرتها مما ارتكبته من المعاصي التي تسبب غضب الرحمن، وكم من شاب أعيته الأسباب فلم يقدر على هذه التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان فاحتوشته الشياطين وجلساء السوء حتى أضلوه وأوردوه موارد العطب والخسران، فخسر أهله، وفسد اتجاهه ، وخسر دنياه وآخرته!!

أما القصة المروية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لما نهى أن يزاد في المهر عن أربعمائة درهم فاعترضته امرأة من قريش فقالت:يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ، وقالت : أما سمعت قول الله تعالى:{وآتيتم إحداهن قنطاراً}20 النساء فقال : اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل.
فاعتراض المرأة عليه له طرق لا تخلو من مقال فلا تصلح للاحتجاج ولا لمعارضة تلك النصوص الثابتة المتقدم ذكرها، لا سيما وأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة مخالفة عمر أو الإنكار عليه غير ما جاء عن هذه المرأة .

إن الحل لما فيه شبابنا من التقصير للقيام بأمور الزواج وقد وصلوا لمرحلة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ‏يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ ‏الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ ‏‏وِجَاءٌ “رواه البخاري، إنما يكون بالعمل والعمل الجاد مع المخلصين لإقامة دولة الإسلام خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة وقتها تتكفل الدولة بكافة تكاليف الزواج لكل الشباب الذين لا يستطيعون تحمل أعباء مصاريف الزواج، وقد فعلها من قبل الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله. فشمروا السواعد وشدوا الهمم لنعلو ونرتقي سلم الأمم ونعود كما كنا وكما أرادنا الله تعالى خير أمة أخرجت للناس. أسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يبعدنا عن هذه العادات الجاهلية، التي لا تأتي بخير، ولا تقر بها إلا عين الشيطان.

أم تقي الدين المقدسية