من أقوالهن.. عبر ودروس الحلقة الأولى رابطة العقيدة
خلال التاريخ الطويل نقرأ أقوالاً لأشخاص مختلفين ونسمع عن مواقف متنوعة لأناس كثيرين ،، منها ما يمر مر الكرام ومنها ما يُحفر في الذاكرة ،، وهناك قولان محفوران في ذاكرتي منذ أيام الدراسة ،، ربما لم أكن أعرف سابقاً لم أثَّرا في نفسي ولكني الآن أعلم ،، فهما يعبران عن عزة دولة الإسلام وقوتها ، عدلها وحزمها . هما قولان معروفان ،،أولهما لرسول الفرس حين رأى أمير المؤمنين عمر الذي توقع رؤيته في قصر منيف فرآه نائماً تحت الشجرة متوسداً يده فقال قولته المشهورة :”عدلت فأمنت فنمت ” ،، يا الله : ثلاث كلمات فقط ولكنها تعبر عن دستور لدولة قوية شامخة ،، لا حرس ، لا حواجز ، لا أبواب مغلقة، لا قصور ولا خدم وحشم ، لا خوف من الغدر أو القتل من رعيته ، قمة الإيمان والثقة بالله ،، منتهى الأمن والأمان .
والقول الثاني قول هارون الرشيد في رسالته التي رد بها على تهديد ملك الروم : ” من أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ، الرد ما ترى لا ما تسمع “: الله أكبر ،،كلمات موجزة لكن بها كل القوة ، كل العزة ، كل الكرامة ، كل الثقة بالله ونصره وتأييده لأنه صدق الله فصدقه .
ربما هذان القولان دفعاني لكتابة هذه السلسلة التي سنتعرض فيها إلى أقوال ومواقف لنساء مسلمات عظيمات .
وقد بدأت بهذه الحلقة التي أسميتها “رابطة العقيدة” هذه الرابطة القوية المتينة التي يجب أن تكون بيننا نحن أمة الإسلام والتي تنطلق من حب الله ورسوله حباً خالصاً فمنه تنطلق أعمالنا وسلوكياتنا وغاياتنا وحياتنا كلها .
فها هي أمُّ المؤمنين التقية (أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان) حين زارها أبوها، وهى في المدينة، فأبعدت عنه فراش النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لها: يا بنية أرغبتِ بهذا الفراش عني أم بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول اللَّه وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحبَّ أن تجلس عليه. قال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر. قالت: لا، بل هداني اللَّه للإسلام، وأنت يا أبتِ سيد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدخول في الإسلام، وأنت تعبد حجرًا لا يسمع ولا يبصر؟!”
وهذا الموقف لا يستغرب من أم حبيبة، فهي ممن هاجر الهجرتين وقد قطعت صِلاتها بالجاهلية منذ أمد بعيد، إنها لم تر أباها منذ ست عشرة سنة، فلما رأته لم تر فيه الوالد الذي ينبغي أن يقدر ويحترم فقط، وإنما رأت فيه رأس الكفر الذي وقف في وجه الإسلام وحارب رسوله تلك السنوات الطويلة، وهذا ما كان يتصف به الصحابة رضي الله عنهم من تطبيق أحكام الإسلام في الولاء والبراء وإعزاز الإسلام والمسلمين. وفي جعل رابطة العقيدة هي العروة الوثقى وهي أساس العلاقات والبعد عن رابطة العصبية والقبلية والقومية وغيرها من الروابط المنحطة بين البشر .
وفي مخاطبة أم حبيبة لأبيها بهذا الأسلوب -مع كونه أبيها ومع مكانته العالية في قومه وعند العرب- دليلٌ على قوة إيمانها ورسوخ يقينها. لقد كان في سلوك أم حبيبة مظهر من اجتهاد الصحابة البالغ في إظهار أمر له أهميته البالغة في المحافظة على شخصية المسلم القوية المتميزة . فقد آثرت محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل محبة أخرى، حتى ولو كانت محبتها لأبيها أو أبنائها أو إخوانها أو عشيرتها.
فهل نرى هذه الأيام مثل هذا النموذج الرائع في رابطة العقيدة وحب الله ورسوله ؟! هل الرابطة التي تجمعنا فعلاً وأولاً هي رابطة الدين والعقيدة ؟ هل نرى من يفضل الله ورسوله على أهله وزوجه وأبيه وابنه وماله !! أم نرى العصبية المقيتة والتعصب للأهل أو للأقارب بغض النظر إن كانوا على حق أو لا أوكانت أفعالهم ترضي الله أو تغضبه !! وفي ظل الهجمة الشرسة ضد الإسلام وسيطرة الإعلام على الأفكار والمفاهيم أصبحت الروابط الوطنية والقومية هي التي تجمع الناس بغض النظر عن الدين واسموه التسامح الديني وحوار الأديان إلا من رحم ربي .
وهل في نسائنا الآن من تفعل مثل أم حبيبة الواعية على عظمة الإسلام ومتطلباته ؟ الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين ،، بلى يوجد ويجب أن يوجد مثلها ونستطيع أن نكون إذا اشترينا الآخرة بالدنيا ،، فلتكن عقيدتنا هي أساس علاقاتنا، ومحبة الله ورسوله مقدمة على أي محبة أخرى ،، فهناك من تطيع زوجها أو أبيها في أمر فيه معصية الله ورسوله بدون حتى ما تكلف نفسها الاعتراض بإفهامه الحكم الشرعي الصحيح ،، وبأن الحسن ما استحسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع مفضلة الدعة والراحة في رضاهم عنها ولو في المنكر ،، ونراها في أمور أخرى دنيوية تقيم الدنيا ولا تقعدها حتى تحصل على ما تريده ،،طاعة ولي الأمر واجبة لكنها طاعة واعية لا تؤدي إلى إغضاب الله ورسوله ،،طبعا هنا لا يُفهم من كلامنا التحريض على التمرد بل مراعاة الله تعالى وأحكامه في حياتنا وعلاقاتنا مع بعضنا .
اللهم اجعل رابطة العقيدة لها الأولوية عندنا و ارزقنا حب الله ورسوله واجعلنا مثل أم حبيبة ممن ينطبق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده، وولده، والناس أجمعين “.