Take a fresh look at your lifestyle.

الأندلسُ الفردوسُ المفقودُ من الفتحِ إلى السقوطِ الحلْقةُ الثانيةُ بلادُ الأندلسُ

 

السلامُ عليكم ورحمةُ الله تعالى وبركاته ، نُطِلُ عليكُم مستمعينا الكرامُ من جديدٍ عَبْرَ إذاعةِ المكتبِ الإعلاميّ لحزبِ التحريرِ ، ونواصلُ معكُم سلسلة َحَلَقاتِ الأندلسُ الفردوسُ المفقودُ من الفتحِ إلى السقوطِ ، وسَنتحدثُ اليومَ عن بلادِ الأندلسِ والمعروفةِ اليومَ بدولَتَيْ إسبانيا والبرتغال، أو ما يُسمى شبهَ الجزيرةِ الأيبيرية، ومِساحتُها (مجموعُ الدولتين) سِتُّمِئَةِ ألفِ كيلو متر.

 

أما سببُ تسميتِها بالأندلسِ فقد كانت هناكَ بعضُ القبائلِ الهمجيةِ التي جاءتْ من شمالِ إسكندناف من بلادِ السويد والدانمارك والنرويج وغيرِها، وهَجمتْ على مَنطقةِ الأندلسِ وعاشتْ فيها فترةً منذُ القرنِ الأولِ الميلادي، ويقالُ إن هذهِ القبائلُ جاءتْ من ألمانيا، وما يَهُمُنا هو أنَ هذهِ القبائلَ كانتْ تَتَّسِمُ بالوحشيةِ والهمجيةِ فكانت تُسمى قبائلَ الفندال أو الوندال باللغةِ العربية ؛ فسُمِيتْ هذهِ البلادُ بفاندليسيا على اسمِ القبائلِ التي كانتْ تعيشُ فيها، ومع الأيامِ حُرِّف إلى أندوليسيا فأندلس.

 

وكلمةُ فندليزم باللغةِ الإنجليزيةِ تعني همجيةً ووحشيةً ، وتعني أيضاً أسلوباً بدائياً أو غيرَ حضاري، وهوَ المعنى والاعتقادُ الذي رَسَّخَتهُ قبائلُ الفندال، وقد خرجتْ هذهِ القبائلُ من الأندلسِ وحكَمَها طوائفُ أخرى من النصارى عُرِفتْ في التاريخِ باسمِ قبائلِ القوطِ أو القوطِ الغربيين، وظلوا يحكمونَ الأندلسَ حتى قدومِ المسلمين إليها عام 92( اثنينِ وتسعينَ) للهجرةِ .

 

وفُتحت الأندلسُ في فترةِ الخلافةِ الأمويةِ ، على زمنِ الخليفةِ الوليدِ بْنِ عبدِ الملك والتي كانتْ فترةُ حُكمِهِ ما بينَ سنةِ سِتٍّ وثمانينَ إلى سنةِ ستٍ وتسعينَ من الهجرةِ، وهذا يَعني أن فتحَ الأندلسُ كان في منتصفِ خلافةِ الوليدِ الأمويِّ رَحِمَهُ الله

 

وكان فتحُ الأندلسِ بعد أن فتحَ المسلمون الشمالَ الإفريقيَّ كلَه، مصرَ وليبيا وتونسَ والجزائرَ والمغربَ، ووصلوا إلى حدودِ المغربِ الأقصى والمحيطِ الأطلسي، ولم يكن أمامَهُم في سيرِ فتوحاتِهم إلا أحدُ السبيلين، إما أن يَتجهوا شمالا، ويعبروا مَضيقَ جبلِ طارقٍ ويدخلوا بلادَ الأندلسِ ، وإما أن يتجهوا جنوباً صوبَ الصحراءِ الكبرى ذاتِ المساحاتِ الشاسعةِ والأعداد ِالقليلةِ من السكان، والمسلمون بدورِهِم ليس من همِهِم إلا البحثُ عن تجمعاتِ البشرِ حتى يعلموهم دينَ اللهِ سبحانَهُ وتعالى، ولم يَكُن هَمُّهُم البحثَ عن الأراضي الواسعةِ أو جمعِ الممتلكات.

 

وعلى هذا النهجِ سارَ المسلمون في كلِ فتوحاتِهم، وَيُجسِدُ هذا المنهجَ ذلك الحوارُ الذي دارَ بين معاذِ بْنِ جبلٍ رضيَ اللهُ عنه وبينَ ملكٍ من ملوكِ الرومِ قبلَ موقعةِ اليرموكِ وكان رسولا إليه، سألهُ الملكُ: ما الذي دعاكُم إلى الولوغِ في بلادنِا وبلادُ الحبشةِ أسهلُ عليكُم؟ وقد كانت الرومُ آنذاك تقتَسِمُ العالمَ مع فارسٍ، فيسألُ ملكُ الرومِ متعجبا كيف تَطْرقونَ أبوابَ القوةِ العظمى وتتركونَ الحبشةَ وهي الأسهلُ والأيسرُ؟! فأجابَهُ مُعاذُ بْنُ جبلٍ قائلا: قالَ لنا ربُنا في كتابِه الكريم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ] {التوبة:123} سورةُ التوبةِ الآيةُ الثالثةُ والعشرونَ بعدَ الْمِئَةِ . أنتمُ البلادُ التي تلينا، ثمَ بعدَ الانتهاءِ من بلادِ الرومِ سنجَوِّزُها إلى الحبشةِ وغيرِها من البلادِ. أي أننا لم ننسَ الحبشةَ ولكنْ أنتم المجاورون لنا، وهكذا كان الحالُ بالنسبةِ إلى الأندلسِ؛ حيثُ كانتْ هيَ التي تلي بلادَ المسلمين.

 

ودعونا مستمعينا الكرامُ نُلْقِ نظرةً على حالةِ أوروبا والوضعِ الذي كانت عليه – خاصةً بلادَ الأندلسِ – عندَ الفتحِ الإسلامي وكيفَ كان، وكيف تغيرَ هذا الوضعُ وهذا الحالُ بعدَ دخولِ أهلِ هذهِ البلادِ الإسلامَ، فأوروبا في ذلكَ الوقتِ كانت تعيشُ فترةً من فَتَراتِ الجهلِ العظيمِ جدا، حيثُ الظلمُ هو القانونُ السائدُ، فالحكامُ يمتلكونَ الأموالَ وخيراتِ البلاد، والشعوبُ تعيشُ في بؤسٍ كبيرٍ، والحكامُ بَنَوْا القصورَ والقلاعَ والحصون، بينما عامةُ الشعبِ لا يجدُ المأوى ولا السكن، وإنما هم في فقرٍ شديدٍ، بل إنهم يُباعون ويُشْتَرَوْنَ معَ الأرضِ، وبالنسبةِ للفردِ نَفسِه، فالأخلاقُ مُتَدنيةٌ والحرماتُ مُنتَهكةٌ، وبُعدٌ حتى عن مقوماتِ الحياةِ الطبيعيةِ، فالنظافةُ الشخصيةُ – على سبيلِ المثال – مختفيةٌ بالمرة، حتى إنهم كانوا يتركونَ شعورَهُم تنسدلُ على وجوهِهِم ولا يهذبونَها، وكانوا – كما يذكرُ الرحالةُ المسلمون الذين جابوا هذهِ البلادَ في هذا الوقت – لا يستحمّون في العامِ إلا مرةً أو مرتين، بل يَظنونَ أن هذهِ الأوساخَ التي تتراكمُ على أجسادِهِم هي صحةٌ لهذا الجسد، وهي خيرٌ وبركةٌ له.

 

وكانوا يتفاهمونَ بالإشارةِ، فليستْ لهم لغةٌ منطوقةٌ أصلاً، فضلاً عن أن تكونَ مكتوبةً، وكانوا يعتقدونَ بعضَ اعتقاداتِ الهنودِ والمجوسِ من إحراقِ المتوفى عندَ موتِه، ومِنْ حَرْقِ زوجَتِه معَه وهي حية، أو حرقِ جاريتِهِ معَه، أو من كانَ يُحِبُهُ من الناسِ، والناسُ تعلمُ وتشاهدُ هذا الأمرَ، فكانتْ أوروبا بصفةٍ عامةٍ قبلَ الفتحِ الإسلامي يَسودُها التخلفُ والظلمُ والفقرُ الشديدُ، والبعدُ التامِ عن أيِ وجهٍ من أوجُهِ التطورِ المدني.

 

هذه أوروبا قبلَ دخولِ الإسلامُ إليهَا وهذا كان حالُها ، وهذا كان حالُ المسلمين ، عزٌ وفخارٌ وقوةٌ ، لأنهم اتخذوا الإسلامَ منهجاً لهم ، وقد صدقَ عمرُ بن الخطابِ حين قال : ” نحن قومٌ أعزّنا اللهُ بالإسلامِ فإذا ابتغينا العزةَ بغيرِه ، أذلنا اللهُ “

 

نكتفي بهذا القدرِ ، وإلى لقاءٍ آخرَ إن شاء الله ، الأسبوعَ القادمَ ، نتحدثُ فيهِ عن أعظمِ قوادِ الأندلسِ ، نتحدث فيه عن القائدِ ابْنِ القائدِ ، فإلى ذلك َالحينِ ، نستودعَكُم اللهَ ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته