Take a fresh look at your lifestyle.

  خبر وتعليق الأزمة الحالية للمصارف والأسواق المالية دليل آخر على فساد النظام الرأسمالي

 

شهدت الأسواق المالية العالمية في الأسبوع المنصرم أزمة حادة جراء إعلان أكبر البنوك الاستثمارية الأمريكية “ليمان بروذرز” (Lehmann Brothers) إفلاسه بعد أن فشلت كل محاولات إنقاذه، وكان هذا هو سادس بنك من البنوك الأمريكية العقارية الضخمة الذي يعلن إفلاسه في أعقاب انهيار سوق العقارات الأمريكية الذي هز النظام المالي المصرفي الأمريكي في أركانه، ونظراً لارتباط المصارف الضخمة والأسواق المالية ببعضها البعض فقد امتدت الأزمة من أمريكا إلى المراكز المالية الأخرى في العالم لتُحدِث فيها هزّة عنيفة أدت إلى سقوط مؤشراتها المالية في اليوم الواحد أكثر من عشرة في المائة.

ولقد ألجأ هذا السقوط الحاد الدول الاقتصادية الكبرى إلى التدخل، لتضخ مئات المليارات من الدولارات في هذه الأسواق لإنقاذها من الانهيار التام. كما أعلنت الحكومة الأمريكية أنها سوف تضمن للبنوك قروضها بمبلغ 700 مليار دولار من خزينة الدولة، أي أنها ستدفع هذه الديون من جيب دافع الضرائب الأمريكي.

إن هذه الأزمة هي دليل آخر على فساد النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يعتمد أساساً على البنوك الربوية والشركات المالية في الاستثمار والإنتاج والتنمية. فمعروف أن البنوك تعيش على الفارق بين ربا الوديعة وربا القرض، وكذلك على الفارق الربوي بين القروض التي تستقرضها من البنك المركزي والتي تُقرضها هي للناس، فأصبح من الطبيعي أن تسعى هذه البنوك لزيادة حجم ما تقرضه للناس طمعاً منها في زيادة مكسبها، ولقد ألجأ الطمع والتنافس بين هذه البنوك وسماسرتها إلى التساهل في القيود والشروط التي يضعونها على المقترض، حتى إنهم في بعض الأحيان تجاهلوا هذه القيود تماماً، وأعطوا قروضاً لكل من يطلبها وإن كان عاجزاً عن السداد، فالسمسار يأخذ عمولته على إبرام العقد، فلا يهمه كثيراً إذا التزم المقترض بالسداد أم لا.

واستمر الإقراض بهذه الآلية سنين طويلة، والديون على هذه البنوك تتراكم جراء عجز الكثير من المقترضين عن السداد، وعجز هذه البنوك بالتالي عن سداد ديونها للبنوك المركزية والبنوك الأخرى، ولما بلغت الديون مداها امتنعت البنوك المُدينة عن إقراض هذه المصارف المزيد من المال، فاضطرت هذه الأخيرة إلى إعلان إفلاسها فانهارت قيمة أسهمها إلى الصفر تقريباً، وانهار كذلك سوق العقارات، وكان انهيار مصرف “ليمان بروذرز” ـ وهو الانهيار السادس من نوعه في غضون أشهر قليلة ـ بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فذهبت الثقة الأخيرة التي كانت لدى المستثمرين فهلعوا إلى التخلص من استثماراتهم وأسهمهم في هذه الشركات، فوقع الانهيار.

أما السبب الثاني لأزمة الأسواق المالية فيكمن في طبيعة هذه الأسهم التي يتم التعامل بها بيعاً وشراءً. فهي كلها أسهم لشركات مالية بحتة ينعدم فيها عنصر البدن، بل ينعدم فيها العنصر الشخصي، فهي شركات مكونة فقط من حصص مالية (أسهم) بغض النظر عن مالكها، فشخص المالك ليس له أي اعتبار. وتُعرَض أسهمها في هذه الأسواق بيعاً وشراءً كسِلعة، يتحدد ثمنها بناءً على رغبة المستثمرين في شرائها أو إعراضهم عنها وبناءً على ثقتهم بالتطور الاقتصادي في هذا الباب أو عدمه، ويتم هذا التحديد بشكل شبه منفصل عن الواقع المالي للشركة وحجم رأسمالها، ولذلك نجد أن قيمة تداول هذه الأسهم في السوق تكون أحياناً أعلى بكثير من قيمتها الفعلية في رأسمال الشركة، أو أقل من هذه القيمة، يتم الاتجار بهذه الأسهم كسلعة بغض النظر عن واقعها في الشركة. فإذا ذهبت ثقة المستثمرين انهارت قيمة الأسهم والعكس صحيح، لذا فإن هذه الأسهم تخضع للمضاربة عليها، وهي أشبه بالمقامرة لجني الربح السريع.

وهذا النظام قد بان عواره الآن، فجرّاء هذه الهزة الأخيرة خسر كثير من الناس ودائعهم التي تقدر بالملايين، فاضطرت الدول إلى التدخل لإنقاذ النظام الرأسمالي من الانهيار، وحوَّلت الإدارة الأمريكية هذه الديون إلى المواطن الأمريكي ـ دافع الضرائب ـ ليدفع هو فاتورة فساد هذا النظام، علماً بأن هذه الإدارة التي ما فتئت تتشدق بالخصخصة، وإطلاق العنان للسوق الحر وآلياته دونما تدخل من الدولة، قد أُسقط في أيديها وظهر خطأ ما تدعو إليه وكذبها على الناس.

وهكذا يثبت مجدداً فساد نظام وضعه البشر، وأنه يؤدي إلى شقاء الإنسان، لاسيما في مجال هام مثل المجال الاقتصادي الذي يؤثر مباشرة على حياة الناس المعيشية.

وصدق الحق تبارك وتعالى حيث قال:

{ أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون }

 

المهندس شاكر عاصم                                                    

الممثل الإعلامي لحزب التحرير                                          

في المنطقة الناطقة بالألمانية