فرسان مالطا
منذ ان بدأت القوى الصليبية حملاتها العسكرية للقضاء على الإسلام وفرض الردة على المسلمين امتزجت حملاتها العسكرية بالدوافع الدينية التي خفي وراءها دوافع وأطماع اقتصادية .وفي حملاتها الأخيرة على بلاد المسلمين كان الدافع الإقتصادي ( البترول ) يتصدر صيحات الحرب الصليبية بينما كان الدافع الديني – فرض الردة على المسلمين بقوة الإحتلال -دافعاً مخفياً وإن ظهر بشكل خافت في بعض التصريحات .
ولقد نجح الصليبيون بشكل كامل في بعض المناطق ( مثل الاندلس ) ونجحوا بشكل جزئي في مناطق شتى من العالم الإسلامي . وكانت أولى المحاولات الجدية لسحق الإسلام في مهده عقب صيحة أطلقها البابا في فرنسا حين دعا لوقف الحروب الداخلية بين نصارى أوروبا وتوجيه طاقات الحقد كلها إلى مسلمي المشرق العربي تحت دعاوى تحرير بيت المقدس من أيدي الكفار المسلمين .واستمرت الحروب الصليبية حوالي قرنين من الزمن وانتهت بهزيمة الغرب عسكريا على يد صلاح الدين الأيوبي .وأيقن الغرب أن الأمة الإسلامية ما زالت على درجة عالية من الصلابة بسبب شدة حماسها لدينها وقرآنها وأن دولتها رغم ما تعتريها من وهن قادرة على ردع اوروبا بل تهديدها .
ومن هنا جاءت مخططات صليبية جديدة ندور حول غزو الأمة الإسلامية فكرياً للفصل بينها وبين دينها ، وعلى الصعيد العسكري حصار تلك الأمة استراتيجيا من أعالي البحار مع قضم اطراف الدوله الإسلامية والاتجاه من الأطراف إلى المركز ( الجزيرة ) .
والبحث في هذا الموضوع سيتناول مخلباً من مخالب الثعلب الصليبي وهو فرسان مالطة . حيث بدأ ظهور فرسان مالطا عام 1070م كهيئة داعمة أسسها بعض الإيطاليين لرعاية مرضى المسيحيين في مستشفى قديس القدس ( يوحنا ) قرب كنيسة القايمة ببيت المقدس في فلسطين ، وظل هؤلاء يمارسون عملهم في ظل سيطرة الدولة الإسلامية ، وقد أطلق عليهم فرسان المستشفى أو الإسبتارية باللغة الإيطالية تميزا لهم عن هيئات الفرسان التي كانت موجودة في القدي آنذاك مثل فرسان المعبد وغيرهم ، إلا أنهم ساعدوا الغزو الصليبي فيما بعد .
ولم يلبث هؤلاء الأسبتاريون إن دخلوا تحت لواء النظام الديري البندكي المعروف في غرب اوروبا وصاروا يتبعون بابا روما مباشرة بعد أن اعترف البابا باسكال الثاني بتنظيمهم رسميا في 15 يناير عام 1113م .
وعندما قامت الحروب الصليبية عام 1097م ، وتم الإستيلاء على القدس وأنشأ رئيس المستشفى ( جيراند دي مارتيز ) تنظيما منفصلاً سماه ( رهبان مستشفى القديس يوحنا ) وهؤلاء بحكم دراستهم بأحوال البلاد قدموا مساعدات قيمة للصليبين وخاصة بعد أن تحولوا إلى نظام فرسان عسكريين .
بعد هزيمة الصليبيين في موقفة حطين عام 1187م على يد صلاح الدين الأيوبي هرب الفرسان الصليبيون إلى البلاد الأوروبية وبسقوط عكا عام 1291م ، طُرد الصليبيون نهائياً من الشام ، واتجهت هيئات الفرسان إلى نقل نشاطها إلى ميادين اخرى . بداية إلى مدينة صور ثم إلى المرج ( في ليبيا حاليا ً ) ومنها إلى عكا ثم ليماسول في قبرص عام 1291م ومنها استمر فرسان الإسبتارية في مناوشة المسلمين عن طريق الرحلات البحرية ، ومارسوا أعمال القرصنة ضد سفن المسلمين ، فما كان من خليفة المسلمين العثماني إلا أن حاصرهم في رودس مما أجبرهم على الإستسلام والهجرة إلى مالطا . وأصبحت وطنهم ومنها استمدوا اسمهم فرسان مالطا واستطاع رئيسهم ( جان دي لاف ليت ) ، أن يقوي دفاعهم ضد العثمانيين مصدر خوفهم ، وأن يبني مدينة ( فاليتا ) عاصمة مالطا حالياً .وكان مما ساعد على ترسيخ وجودهم في مالطا وقوع معركة ليبانتو البحرية بين الروم ودولة الإسلام .
وبقيام الثورة الفرنسية عام 1789م ، وغزوهم ايطاليا فقد الفرسان الصليبيون ممتلكاتهم وامتيازاتهم في فرنسا وايطاليا وأنتهى بهم الأمر بفقد مقرهم في جزيرة مالطا نفسها وطردهم منها على يد نابليون اثناء حملته على مصر عام 1798م ودخلوا مرحلة الشتات والتفرق .
وكان بعض الفرسان الذين تفرقوا عقب طردهم من مالطا قد اتجهوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد عاد الفرسان بقوة في أوائل التسعينات وعقد اجتماعاً في جزيرة مالطا في أوائل ديسمبر عام 1990م ، وهو الأول من نوعه منذ طردهم منها قبل قرنين من الزمان ، وبلغ عدد الحاضرين حوالي خمسمائة معظمهم من القساوسة ينتمون إلى اثنتين وعشرين دولة ، واعتبروا هذا اللقاء خطوة بإتجاه إحياء وانعاش تلك المنظمة الكاثوليكية ذات الجذور الصليبية .
بحسب الموقع الرسمي لدولة فرسان مالطا فإن المقر الرئيسي للمنظمة حاليا يقع في العاصمة الإيطالية روما تحت مسمى ( مقر مالطا ) ويلقب رئيس المنظمة ( السيد الأكبر ) ، وهو حالياً الأمير البريطاني ( فردناند يبرني ) الذي تقلد رئاسة المنظمة عام 1988م ، ويعاونه أربعة من كبار المسؤولين ، ويقيم السيد الأكبر في روما ، ويعامل كرئيس دولة بكل الصلاحيات والحصانات الدبلوماسية ، وينص القانون الدولي على سيادة دولة فرسان مالطا التي لها حكومتها الخاصة ، ولها صفة مراقب دائم في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة كما أن لها ثلاثة أعلام رسمية لكل علم استخداماته ودلالاته .
وتدار الأنشطة المختلفة عن طريق سته أديرة رئيسية متفرع منها خمسة فرعية و47 جمعية وطنية للفرسان في خمس قارات ، وللمنظمة علاقات دبلوماسية مع 96 دولة على مستوى العالم ، منها مصر والمغرب والسودان وموريتانيا بحسب الموقع الرسمي للجماعة بينما ليس لها تمثيل في اسرائيل .
وقال هيكل : ( إن شمعون بيريز الإسرائيلي طلب من مصر الإعتراف بدولة فرسام مالطا فإعترفت مصر ) متعجبا من اعتراف البلد غير الكاثوليكي في العالم بهذه الجماعة الكاثوليكية الرومانية .
ومن آخر الاخبار عن فرسان مالطا تسلم أمين عام وزير الخارجية الأردني أوراق اعتماد سفير المستشارية العسكرية السامية لفرسان مالطا الشيخ وليد الخازن .
إن فرسان مالطا يشكلون القوة العسكرية الثانية بعد الجيش الامريكي النظامي في العراق ويرفعون العلم الأمريكي ، لكنهم لا يتبعونه ، بل يتبعون المال الذي يتقاضونه عبر شركات أبرمت عقودا مع إدارة الرئيس جورج بوش للقيام بمهام قتالية خطيرة نيابة عن الجيش ، ووراء كل ذلك تحوم اجواء حروب صليبية لفت إليها الكاتب الصحفي المصري محمد حسنين هيكل ، ففي لقائه مع قناة الجزيرة أوضح هيكل أن وجود قوات المرتزقة بالعراق ليس مجرد تعاقد أمني مع البينتاجون ، تقوم بمقتضاه هذه القوات بمهام قتالية نيابة عن الجيش الأمريكي . بل يستبقه تعاقد أيديلوجي مشترك بين الجانبين ألا وهو دولة فرسان مالطا الإعتبارية آخر فلول الصليبية التي تهيمن على صناعة القرار في الولايات المتحدة والعالم .وقال هيكل : لأول مرة اسمع خطابا سياسيا في الغرب يتحدث عن الحروب الصليبية، هناك أجواء حرب صليبية .
أما عن وضع شركة بلاك ووتر المرتبطة بفرسان مالطا في العراق فهو يتطلب – حسب دراسة للصحفي خالد القرعات حول الشركات الأمنية في هذا البلد – قرارا أصدره الحاكم المدني السابق في العراق بول بريمر 27/6/ 2004 يمنح الشركات الأمنية حرية العمل في العراق ،كما منحها حصانة قضائية ضد ملاحقة القانون العراقي لها .وتستخدم هذه الشركات معدات تقترب من الجيش النظامي وتأتي القوات الأمنية الخاصة في العراق في المرتبة الثانية من ناحية أعضائها بعد جنود الولايات المتحدة 130 ألف جندي في حين يتراوح عدد أعضاء الشركات بين 30 الى 50 الف شخص يعملون في 130 شركة أمنية بالإضافة الى أنه يبلغ حجم أعمالها في العراق ما يقارب 100 مليار دولار .
ويكشف سكيل انه مع تنامي نفوذ شركة بلاك ووتر داخل الإدارة الأمريكية فإنها تتطلع حاليا الى الحصول على عقد في إقليم دارفور غرب السودان .
وتشير الاحصاءات إلى أن 57% من القتلى في صفوف هذه الشركات كانوا في المثلث السني ( بعقوبة / الرمادي / الفلوجة ) ما يدل على استخدامه رأس حربة في التصدي للمقاومة خصوصا في الهجوم على الفلوجة عام 2004 والذي شهد جرائم حرب واستخدمت خلاله قنابل فوسفورية ضد الأهالي ، واشارت الدراسة إلى استعانة هذه الشركات الخاصة بأفراد اشتهروا بسمعتهم السيئة على صعيد انتهاك حقوق الإنسان والتورط في محاولات قتل وتعذيب بل وانقلابات عسكرية في بلدان غفريقية أو امريكية لاتينية ، وكان من أبرو الذي يعملون مع حكومة الدكتاتور التشيلي السابق اوجستو بنو شيه وحكومة مجرم الحرب الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش وافراد من نظام الحكم العنصري السابق في جنوب افريقيا . ويتراوح الأجر اليومي الى 3 ىلاف دلاور أمريكي وهو ما يفسر – حسب هيكل – استنزاف مليارات الدولارات في العراق . أي أن الأخطبوط له أياد تتدخل في سياسات العالم وهذا يفسر جليا أن وراء أي مؤامرة ضد أمة الإسلام وراؤها الحقد الصليبي .
هذا مخلب من مخالب الصليبيين وأعداء الإسلام وما خفي كان أعظم . فماذا أنت فاعلة يا أمة الإسلام للتصدي لمثل هذه الهجمات المتلاحقة والمكر الخبيث والأساليب المتوحشة للقضاء على حضارتك وفكرك وقوتك وتميزك ؟
ماذا أنت فاعلة لتعودي خير أمة أخرجت للناس ؟
ماذا أنت فاعلة لكي تكوني أنت من تأخذ زمام المبادرة وتقود البشرية على السعادة والطمأنينة وتنالي رضى من الله أكبر؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها ، قالوا أمن قلة نحن يومئذ ؟ قال لا بل أنتم كثير لكنكم كغثاء السيل .
أماني / فلسطين