نفائس الثمرات الإِخْلاصُ وَحُبُّ الثَّناءِ لا يَجْتَمِعانِ
لا يجتمع الاخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت. فإذا حدثتك نفسُكَ بطلب الاخلاص فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس, وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشّاق الدنيا في الآخرة, فإذا استقام لك ذبحُ الطمع والزهدُ في الثناءِ والمدحِ سَهَلُ عليك الاخلاص.
فإن قلت: وما الذي يسهّل عليَّ ذبحَ الطمعِ والزهدَ في الثناءِ و المدحِ ؟ قلت: أما ذبحُ الطمعِ فيسهله عليك علمُكَ يقينا أنه ليس من شيء يُطْمَعُ فيه الا وبيد الله وحده خزائَنه لا يملكُها غيرُهُ , ولا يُؤتي العبدَ منها شيئا سواه. وأما الزهدُ في الثناءِ و المدحِ فيسهِلُهُ عليك علمُكَ أنه ليس أحدٌ ينفعُ مدحُهُ ويزين, ويضرُ ذَمُّهُ ويُشِيْن الا الله وحده, كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” ذَاكَ اللَّهُ ” (الترمذي و قال حسن غريب, وأحمد, و النسائي) .
فازهد في مدح من لا يزينك مدحه, وفي ذم من لا يشينك ذمه, وارغب في مدح من كل الزين في مدحه, وكل الشين في ذمه, ولن يقدر على ذلك الا بالصبر واليقين, فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب, قال الله تعالى:{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ } , وقال تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }