خبر و تعليق أوروبا والإسلام: كيف هم الدانماركيون؟
كيف هم الدانماركيون؟ وكيف تصفهم؟ وكيف يتعاملون مع المهاجرين؟ وكيف يتعاملون مع المسلمين؟ ولماذا يتفاخرون بشدة أنهم سنّوا أقسى القوانين المناهضة للهجرة في أوروبا؟
هذه هي بعض الأسئلة التي سعيت أن أبحث فيها خلال عدة نقاشات جلست فيها مع الإخوة لشرب القهوة خلال الليلالي الثلاث التي قضيتها في كوبينهاجن في الدانيمارك. فهنا كنت في أرض يولانْدْس بوستِن التي منها بدأت الصحيفة بنشر الرسومات سيئة الذكر المهينة لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
إن معظم الدانيماركيين الذين صادفت في المطار وفي المحلات والمناطق الأخرى مهذبون ومهنيون. وكان انطباعي الأول عند وصولي من لندن أن هذه المدينة جدا حديثة ونظيفة ومنظمة جيدا حتى بالمقارنة مع لندن. كانت الشوارع واسعة وأنظف بشكل ملحوظ من معظم شوارع المملكة المتحدة، وعلى عكس البريطانيين الذين عندهم هاجس في امتلاك بيوتهم الخاصة، فإن جوانب شوارع كوبينهاجن بشكل عام مليئة بالمباني السكنية. فإذا كان المقياس الوحيد لنجاح المجتمع هو الحداثة والتنظيم والتكنولوجيا المتقدمة لمدن ذلك المجتمع فإن الدانيمارك بالتأكيد ستكون إحدى المجتمعات الأكثر نجاحا في العالم. ولكن لأن المجتمعات مأهولة من بشر مختلفين، عليهم العيش سويا، فإن هناك مقاييس أخرى يجب أخذها بالاعتبار عند النظر في تحضر مجتمع أو تحضر فكره. فكيف يعامل المجتمع الكبار في السن، والأقليات والمهاجرين؟ وكم نسبة الانسجام بين الناس المختلفين في عقائدهم وخلفياتهم؟ وفي هذه الحالة الخاصة، كيف يعامل المجتمع المسلمين الذين هم نسبيا ظاهرة حديثة على هذه البلاد؟ وهذه هي المعضلة المشتركة التي تواجه المجتمعات الغربية اليوم.
كانت هذه بعض المسائل التي سعيت أن أتحراها حينما جلست مع مجموعة منتقاة من المسلمين. أشخاص كسليمان وتشادي ويونس وأنور و كثير غيرهم. هؤلاء المسلمون الشباب الذي أتوا من خلفيات متعددة. فبعضهم كان دانيماركي الأصل واعتنق الإسلام، وآخر كان مغربيا وفلسطينيا ولبنانيا وباكستانيا وبنغلادشيا وصوماليا وغيرها من الخلفيات، وهذه تذكرة حقيقية أن هذه أمة متعددة الأجزاء ولكنها موحدة بلا إله إلا الله محمد رسول الله. هؤلاء المسلمون ولدوا وترعرعوا في الدانيمارك، وتحدثوا لغتها بطلاقة وأيضا هم نشطاء إسلاميون واثقون.
حسن الضيافة الذي رأيت منهم كان حقا مميزا ويذكر بحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه…” صحيح مسلم
خلال تلك الفترة مكثت في نوريبرو، وهي منطقة متعددة الأعراق يقطنها عدد كبير من المسلمين. لقد بدأت من خلال زيارة المناطق المختلفة والنقاش مع الكثير من المسلمين من خلفيات مختلفة، بدأت ألمس كيف يُصور ويُتحدث عن المسلمين من بعض السياسيين والصحفيين. فقد قال بعض السياسيين أن المشكلة هي الإسلام، وليس فقط ما يسمى بـ”الإسلامية”. وقال آخرون أن نوريبرو يجب أن تمسح عن الوجود. فسياسي ينادي بهدم منطقة يقطنها جزء من المجمتمع! وحين كان عنف عصابات بين عصابة هيلز إينجلْز بايكر وبعض المسلمين، حيث نتج عنها حملة عشوائية أطلق الرصاص فيها على الأبرياء المارة، قال بعض السياسيين أن هيلز إينجلْز كانوا يدافعون عن القيم الدانيماركية، ما يعني ضمنا أن ذلك العنف كان مقبولا، وآخر النقاشات في الدانيمارك هو عن المرضى الذين يرفضون أن يُعالجوا من قبل أطباء أو ممرضات يلبسون غطاء الرأس! فكيف يُتوقع أن يشعر المسلمون؟
يظهر أن الرسالة الواضحة للمسلمين ليُقبلوا في هذه المجتمعات، ليس فقط أن يكون أحدهم مواطن يحترم القانون والذي يدفع الضرائب-فهذا ما هو مطلوب من المواطنين الآخرين- ولكن عليه أن يتخلى عن بعض قيمه ومعتقداته الإسلامية.
وباختصار، فأن الكثير من السياسيين وأجزاء من الشعب لا يستطيعون التعامل مع حقيقة أن لديهم جالية إسلامية لديها بعض القيم والعقائد المميزة والمختلفة. المعتقدات الإسلامية التي تأمرنا أن نجابه الظلم والاحتلال لأراضي المسلمين، مثل العراق وأفغانستان وكشمير. المعتقدات الإسلامية التي تأمرنا أن نعتني بجيراننا وأن نحترم كبيرنا حتى من غير المسلمين.
والآن، فإن البعض في الدانيمارك وغيرها من دول أوروبا في سباق لتصعيد سياسة الدمج القسرية التي تستهدف المسلمين على وجه التحديد. ويظهر مع الانتخابات القادمة، أن الخطاب الأقسى على الإسلام والمسلمين هو الصوت الرابح، وهذه المواقف موجودة في المملكة المتحدة أيضا.
أليست المجتمعات الغربية والحكومات هي التي تتفاخر أن المعتقدات في “التعددية” هي أحد أهم الأسس في طريقة حياة العلمانية الرأسمالية؟ أليسوا هم من يدعي “عش ودع غيرك يعيش”؟ لماذا إذن هذا الطلب بأن يغير المسلمون بعض عقائدهم أو سوف يذموا ويحاربوا؟ هل هذه هي الوسائل لخلق الانسجام بين مختلف الناس في المجتمع أم أن هذا يقود إلى زيادة التوتر؟
بهذه الطريقة التي يجبر فيها المسلمون بقوة أن يرفضوا بعض قيمهم الإسلامية، البعض في أوروبا يُظهرون أنه رغم الحديث عن التعددية و”حرية الاعتقاد” فإنهم مستعدون أن يخالفوا أهم قيمهم بطرفة عين ويظهروا عدم التسامح للآخرين خصوصا للمسلمين. أليست هذه علامة ضعف؟ وهذا بدوره يثير أسئلة جوهرية حول قابلية العلمانية الليبرالية العيش مع هؤلاء الذين لهم مظهر سياسي وفكري وروحي مختلف عنهم مثل الإسلام.
تاجي مصطفى
الممثل الإعلامي لحزب التحرير بريطانيا