وقفات مع القرآن الكريم العزة لله
قال اللّه سبحانه:{ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}
إنَّ من الآفات الخطيرة أن ينتشر النفاق في المجتمع، والأشد خطراً أن يصاحب هذا النفاق الولاء للكفار. وكلما علا مركز صاحب النفاق والولاء كان الخطر القاتل الذي إن سكتت عليه الأمة أصابتها الويلات والمصائب.
والمتتبع لواقع بلاد المسلمين يجد أن الطبقات الحاكمة فيها قد غرقت في الأمرين: النفاق والولاء للكفار. فقد كان قائلهم إذا سئل عن فلسطين، وأي فلسطين؟، فلسطين المحتلة 1948!، إذا سئل قال حاشا لابن بنت رسول الله أن يفرط في شبر من أرض فلسطين في الوقت الذي كان فيه يأكل ويشرب مع يهود، ويخطط لحفظ أمنهم وأمانهم. وكذلك كان زعيم انقلابهم يسوِّق انقلابه في البلاغ رقم 1 بأنه قام لتحرير فلسطين وأي فلسطين؟ فلسطين المحتلة 1948!، وإذ به قد اتخذ فلسطين تكأة لضرب خصومه وتنفيذ مخططات أسياده من أمريكان وإنجليز يلهب مشاعر الناس ليلعنوا من سبقه ويصفقوا له، في الوقت الذي يلهب فيه ظهورهم بالسياط ويحارب الله ورسوله على رؤوس الأشهاد. ثم تسمعهم يقولون: العراق الشقيق وهم يطعنونه في الظهر ويقاطعونه وينظرون إليه عملياً كل نظر إلا أن يكون الشقيق. فإذا مددت النظر أوسع وجدت الذي يقول إنه يحافظ على مصلحة البلد في الوقت الذي يبيح أرض البلد وأجواء البلد ومياه البلد لأميركا لتضرب المسلمين حول البلد وداخل البلد. ضاعت فلسطين بحجة إنقاذ فلسطين، وقتل العراق بحجة المحافظة على العراق، وسفكت الدماء في أفغانستان بحجة ضرب الإرهاب. ثم لا يستحي من نصبتهم أميركا حكاماً عليها أن يقولوا إن كل هذا من أجل تنمية واستقرار البلد. اسودت الأرض بسوء فعال الحكام في بلاد المسلمين، وهم يعلنون صباح مساء أن الأسود ليس اسوداداً وإنما هو بياض وأي بياض. أنشأوا للكفار المستعمرين قواعد في بلاد المسلمين بل في أطهر أماكنها، وأقاموا لهم نفوذاً يرسخونه باستمرار لضرب الإسلام والمسلمين في الوقت الذي يزعمون فيه أنهم يخدمون الأمة ومقدسات الأمة والحرمين الشريفين.
إنه النفاق الأمر الخطير، والولاء للكفار الشر المستطير. وفي هذه الآيات البينات يبين الله سبحانه ما أعده للمنافقين من عذاب أليم، وما هم صائرون إليه من ذل وصغار يصيبهم من أوليائهم بدل أن ينالوا العزة التي يظنونها عندهم، فتصبح أمنياتهم حسرات تصيبهم بما صنعوا لو كانوا يفقهمون:
1 – يقول سبحانه في الآية الأولى: { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ } وهي للتبكيت وزيادة في الإهانة للمنافقين، فإنّ البشرى هي الخبر السار المفرح لمن يبشر به (بشرت به كعلم وضرب سررت، وأبشر فرح ومنه أشر بخير) فإذا تليت في موضع الإخبار بوقوع الشر للمخاطب كانت للإهانة وزيادة التبكيت وهي قوية للدلالة على المصير الأسود للمنافق، فإنّ الله سبحانه قد أعد له عذاباً أليماً شديد الإيلام { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ً} وهو جهنم وبئس المصير.
2 – ثم يبين الله سبحانه صفة المنافقين وواقع حالهم فهم يوالون الكفار ويتخذونهم أولياء لهم ظناً منهم أن العزَّة عند هؤلاء الأولياء وأنهم مصيّروها لهم، متوهمين قدرة الكفار على ذلك. وحقيقة الأمر أنهم لا يستطيعونها بل يزدون أعوانهم ذلة فوق ذلة عد أن يستنفذوا أغراضهم منهم، ويستخدمونهم لتحقيق مصالحهم ثم يلفظونهم بعد ذلك كما تلفظ النواة وكتاب الله ينطق بحالهم: { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } كما أن الوقائع الجارية تنطق بذلك فكم من حاكم عميل للكفار ارتمى في أحضانهم وخان أمته فلما انتهى دوره لم يجد له مكاناً يؤويه لا في بلده ولا في بلاد من خدمهم وتفانى في الولاء لهم حتى إن الحصول على مكان يؤوي جثته كان أمراً شاقاً على من بقي من أسرته.
3 – إن الله سبحانه يبين في آخر الآية أن العزة لله جميعاً وأنها لا ولن تكون للكفار، فمهما طغوْا وبغوْا فهم عند الله وعند عباد الله المؤمنين، أذلة مهانون { أيبتغون عندهم العزة} هذا استفهام استنكاري أي كيف يطلبون العزة ممن ليست عندهم عزة. قال ابن عباس رضي الله عنهما {عندهم العزة} يريد عند يهود بني قينقاع فإن رأس المنافقين ابن أبي كان يواليهم، وهذا استفهام استنكاري للتقريع {فإن العزة لله جميعاً} وهي آية غاية في الإحكام فهي تأكيد وحصر وتعميم فلم تبق للكفار أي جزء من العزّة الحقيقية مهما قل هذا الجزء، بل هي لله سبحانه خالصة كاملة تامة غير منقوصة يسبغها على من ارتضى من عباده، عزة حقيقية توصل صاحبها إلى الفوز في الدنيا الجنة في الآخرة. لا عزة في ظاهرها وذلة في حقيقتها توصل صاحبها إلى الشقاء في الدنيا والجحيم في الآخرة.
إن من ابتغى العزة عند غير الله ذل، فالإسلام هو العز والإسلام هو الحق وهو الذي يرفع الناس من دركات الذل إلى درجات العز.
نسأله سبحانه العزة بالإسلام والقوة بالإسلام والنصر بالإسلام وأن يمكنن لنا ديننا الذي ارتضى لنا، وأن يستخلفنا في الأرض ويبدلنا من بعد خوفنا أمناً. إنه سبحانه المولى ونعم النصير .