خبر و تعليق عمليات شمال وزيرستان مرٌ زعاف يتجرعه الجيش الباكستاني ولا يبدو أنّه قادر على ابتلاعه!
مرة أخرى تغرق باكستان سياسياً بسبب ضحالة تفكير الوسط السياسي، وبدأت هذه المرة عندما نحى رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني اثنين من وزرائه، حامد سعيد كاظمي، المنتمي إلى حزبه، ووزير العلوم والتكنولوجيا عزام خان سواتي، من جمعية علماء الإسلام التي يرأسها فضل الرحمن، ونتيجة لذلك هددت جمعية علماء الإسلام بالانسحاب من الائتلاف الحكومي في الوقت الذي أبدى فيه حزب (الحركة القومية- أكبر حزب في كراتشي) استياءه من حزب الشعب الحاكم، وإذا ما انسحبت هذه الأحزاب من الائتلاف الحكومي، فإنّ من شأن ذلك زعزعة استقرار الحكومة ويمكن أن يؤدي ذلك إلى التصويت بحجب الثقة عنها، ولكن يبقى السؤال المطروح: “هل هذه أزمة حقيقية أم وهمية؟”
خلال السنوات الثلاث الماضية شهدنا العديد من الأزمات السياسية الوهمية، شملت حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف وحزب الحركة القومية المتحدة، حيث كان السجال بينهما حامي الوطيس في وسائل الإعلام ودار بينهم مناقشات لا طائل منها، الغاية منها تحويل انتباه الجماهير بعيدا عن القضايا السياسية الحقيقية وخاصة العمليات العسكرية الباكستانية الأمريكية في المنطقة القبلية، كما لاحظنا أيضا أنّه خلال أزمة المسجد الأحمر وجامعة حفصة تم التركيز على استضافة حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف في المملكة المتحدة مما أدى إلى تحول كبير في تركيز الأمة بعيدا عن أزمة المسجد الأحمر التي كانت دائرة في ذلك الوقت، ولوحظ أيضا حدوث أزمات مماثلة خلال العمليات العسكرية المختلفة في الحزام القبلي. لذا فإن الأزمة السياسية الراهنة لا يبدو أنها مختلفة عن تلك الأزمات الوهمية السابقة، إذ يبدو أنّ الولايات المتحدة تريد بناء ستار من دخان للقيام بعمليات في شمال وزيرستان في المستقبل القريب.
لقد كان هناك مؤخرا نقاش كبير حول تنفيذ هذه العمليات في شمال وزيرستان، فبينما كان رئيس هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة مايك مولن يزور باكستان أعلن أنّه ستكون هناك عمليات عسكرية في شمال وزيرستان، ولكن ستقرر باكستان توقيت العمليات، وأول أمس عرضت محطة (ناوا وقت) التلفزيونية نقلا عن محطة تلفزيونية أمريكية خبراً بأنّ الجيش الباكستاني يستعد لعمليات عسكرية في شمال وزيرستان في الصيف المقبل، وفي يوم الأحد الماضي قال قائد الجيش الباكستاني الجنرال كياني “أنّ الكرة في ملعب القيادة السياسية وأنّ القرار النهائي بشأن عمليات شمال وزيرستان بيد القيادة السياسية”، ومن ناحية أخرى، فإنّه منذ أشهر فوّضت الحكومة الباكستانية بشكل كامل قيادة الجيش لتحديد توقيت هذه العمليات، وهذا يدل على أنّ كلا الجانبين لا يريد أن يبدو أنه هو من يقف وراء هذه العمليات، وفي الوقت نفسه، فإنّ أزمات أخرى مختلفة مثل أزمة انقطاع التيار الكهربائي ونقص الغاز هي الأخرى بدأت تظهر شيئا فشيئا، حتى تصل ذروتها في الوقت المناسب الذي تحتاجه القيادات للتغطية على القيام بهذه العمليات الوحشية.
الشيء الذي يميز عمليات منطقة شمال وزيرستان المزمع القيام بها قريبا عن العمليات السابقة هو أنّ العناصر المخلصة في الجيش الباكستاني لا تعتبر شبكة حقاني -التي تعمل في المنطقة- تهدد أمن باكستان، فأنشطة حقاني في معظمها تركز على أفغانستان ولا تعمل في باكستان، ونتيجة ذلك فإنّ هناك رأي عام واسع داخل الجيش بأنّه لا ينبغي أن ينتقل الجيش إلى شمال وزيرستان، وهذا هو سبب انسحاب الجيش الباكستاني من هذه الجبهة خلال الأشهر الأربعة الماضية.
من ناحية أخرى، فقد أجرت الولايات المتحدة أكثر من 180 هجمة بالطائرات بدون طيار منذ بداية هذا العام معظمها على شمال وزيرستان لتليين بعض الأهداف العسكرية، وفي الأسبوع الماضي، قتلت أكثر من 50 في يوم واحد في منطقة خيبر التي تبعد بضعة كيلومترات عن بيشاور، ويبدو أنّ هذه الضربات رسائل تهديد للجيش الباكستاني، وفقا للمصادر التي طلبت من الولايات المتحدة عدم مهاجمة هذه المنطقة بصفة خاصة بسبب قربها من بيشاور، عاصمة المقاطعة. ويبدو أيضا أنّ الحكومة والجيش الباكستاني سيعملان في الأشهر المقبلة على تدعيم موقفهما لشن عمليات وزيرستان داخل الجيش وفي الأحياء المدنية، وإلا سيحدث انقسام ‘خطير’، وهو ما يعني زيادة في العمليات التفجيرية في المدن الرئيسية وكذلك زيادة في القيام بالعمليات “الإرهابية” على المواقع الاستراتيجية الرئيسية.
المفارقة هي أنّ الحكومة لا تقدم لأمريكا دماء المسلمين الطاهرة للقيام بحربها فقط، بل هي أيضا تمولها عن طريق الضغط على الجماهير اليائسة، فالإصلاح الضريبي الجديد (ضريبة المبيعات) تسبب بمزيد من الضغط على الناس لجني المليارات من الروبية، والتي سيتم ضخها في “الحرب على الإرهاب” الوحشية، ولكن لغاية الآن فإنّ مقاومة الصناعيين والتجار في باكستان الشديدة لفرض الحكومة هذه الضريبة أفشل الحكومة في فرض شروط صندوق النقد الدولي.
نفيد بوت
الناطق الرسمي لحزب التحرير في باكستان