خبر وتعليق – بعض الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية
الخبر
نشرت صفحة الشرق الأوسط في 27/12/2010 مقابلة مع فيليب كراولي الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فمما قاله عن تسريبات ويكيليكس:”نحذر من النظر إلى وثيقة واحدة من دون فهم المضمون العام، والصورة الأوسع هي أن الولايات المتحدة تسعى من أجل ضمان مصلحتها الوطنية”. وذكر أن “العبارة الأهم بالنسبة للسياسة الخارجية هي الصبر الاستراتيجي حيث أن أمامها تحديات كبيرة في العام المقبل، على رأسها بدء عملية نقل السلطات الأمنية من القوات الأمريكية وقوات الناتو إلى الأفغان بحلول يوليو / تموز المقبل”. وقال “عند التعامل مع النزعات فإن الأمر يحتاج إلى الوقت، وقد يستغرق أجيالا لشفاء الجروح في المجتمع ولكن المهم أن لا نكون سجناء الماضي”. وقد كشف عن علاقة أمريكا بالأنظمة القائمة في العالم الإسلامي، فقال “نحن نساعد في تقوية مؤسسات الحكم التي بإمكانها أن تواجه التحديات المحلية أو الإقليمية أو العالمية ونقوم بذلك في أرجاء عدة من العالم، مثل الباكستان وأفغانستان وفي أنحاء من أفريقيا”. وقال عن العلاقة مع الصين وكوريا الشمالية “العلاقة مع الصين أوسع بكثير من الكوريتين بما في ذلك الاقتصاد”. وعن قيادة أمريكا للعالم، قال “نحن نحاول القيادة من خلال إعطاء مثال جيد وأحيانا نخفق في المعايير الدولية ولكن في هذه الحالة من الواضح على الدولتين الرائدتين القيام بدور القيادة”. “الولايات المتحدة مع (في) كل ركن في العالم”. وقال عن منطقة الشرق الأوسط “الحوار ليس هدفا في حد ذاته بل وسيلة لتحقيق هدف، سيكون لدى سوريا تأثير في المنطقة، والمنطقة مهمة بالنسبة لنا فمن المناسب أن نتواصل مع سوريا وقد فعلنا كل ما في مقدورنا للتواصل مع سوريا بطريقة بناءة”.
التعليق
نستطيع أن نستنبط من كلام الناطق باسم الخارجية الأمريكية بعض الخطوط العريضة لسياسة أمريكا الخارجية ونعلق عليها فنقول:
1.أمريكا تعمل لمصلحتها الذاتية فقط، فسياستها مرتكزة على أساس المصلحة في الدرجة الأولى، فعندما تكلمت عن تسريبات موقع ويكيليكس أظهرت أنه من الواجب أن يفهم مضمونها العام وأن ينظر اليها بصورة أوسع أي أن ينظر إلى ما تقصده أمريكا من ذلك، وماذا يفيد سياستها وماذا يخدم مصالحها. فأرادت أن تقول أن المقصود من هذه التسريبات بشكل عام هو خدمة المصلحة الأمريكية. فأمريكا تعمد إلى الكشف عن أشياء وتخفي أشياء وتخلط بين أشياء فيما يخدم سياستها ويحقق مصالحها، سواء بفضح سياسات وسياسي دول، أو بالتغطية على بعضهم أو بالتضليل على أمور معينة. ولذلك يجب الوعي عما يصدر من أمريكا ومعرفة الصدق من الكذب منه وعدم الوقوع في الفخاخ التي تنصبها من كل ذلك.
2.أمريكا تشعر أنه من الممكن أن تفلت زمام الأمور من يدها ولذلك تراعي الظروف المحلية والإقليمية والعالمية حتى تتغلب على التحديات الناتجة عن هذه الظروف، فمع أنها تعمل على أن تتروى تحت مسمى الصبر الاستراتيجي، وأنها تعلم أن علاجاتها ربما لا تقبل فورا من قبل الآخرين ولكنها تراهن على عامل الزمن وعلى الأجيال القادمة التي ستنشأ في ظل الوقائع الجديدة والغريبة عن الأمة وحتى تدمل الجروح التي فتحتها بسبب الدمار الذي تحدثه في حروبها المسعورة على الأمم والشعوب الأخرى، فتعرف أنها غير مقبولة في أفغانستان والباكستان ولكن ترى أنه بعد أجيال ستكون سياستها مقبولة لأن الأجيال القادمة ستنشأ في ظل الظروف التي أوجدتها أمريكا، وكما هو حاصل في فلسطين حيث أنها ترى أن البعض من أهلها صار يقبل بالواقع الجديد والغريب عن الأمة، فصار يقبل بوجود كيان يهود على أغلب أرض فلسطين. ولكن هذا ربما ينطبق على بعض المسلمين وليس على مجموع الأمة الإسلامية وفي ظروف مؤقتة وليس دائمية. فألمانيا واليابان التي كان بوش وأركان إدارته السابقين يضربون المثل بهما ويقولون أننا تحاربنا مع الألمان واليابانيين وبعد ذلك زال العداء من بيننا وأصبحنا أصدقاء وحلفاء، وهكذا سنصبح أصدقاء وحلفاء مع العراقيين بعدما تحاربنا معهم، فهذا القياس الشمولي خطأ وتطبيقه على كل شعوب العالم خطأ. فالساسة الأمريكان يفكرون بهذه العقلية ويسيرون على هذا الخط.
3.تعمل أمريكا على كسب الصين كما كسبت ألمانيا واليابان حتى تصبح حليفتها أو دولة تدور في فلكها. لأنها ترى فيها قابلية لذلك، بسبب طبيعة الصينيين واستعدادهم للعمل مع الأمريكان لعدم تركز أي مبدأ لديهم، فالشيوعية لم تتمركز لديهم، بل تستطع أن تقول أنها اندثرت وما بقي إلا اسمها لأسباب سياسية. ولذلك فإن الدولة في الصين تعمل على إحياء الثقافات القديمة لدى شعبها مثل الكونفوشية لعلمها بضرورة وجود فكر وثقافة لدى الشعب، وإلا فإن الشعب سيتأثر بثقافة الآخرين ويقع تحت سيطرتهم. فالأمريكان يدركون واقع الصين، ولذلك قال الناطق باسم خارجيتهم بأن العلاقة مع الصين أوسع بكثير من الكوريتين، ولم يقل من كوريا الشمالية فقط، بل من الكوريتين أي أن الصين أهم لديهم من الكوريتين وما أمر الكوريتين إلا ليخدم سياساتهم تجاه الصين وليس أمر الصين اقتصاديا فقط. ولذلك لا ترى الأمريكان يسيّرون حملة ضد الشيوعية في الصين لأنها غير موجودة في الواقع وغير مؤثرة على شعب الصين، ولكنك تراهم يسيّرون حملة ضد الإسلام بل حملة قوية وشرسة ومجحفة بحق الإسلام وأهله، لأنها ترى تأثير الإسلام على الإمة الإسلامية وقرب ظهوره ومدى خطورته على مصالحها بل على عظمتها وعلى كيانها.
4.ترى نفسها أنها قائدة العالم وتريد أن تحافظ على هذه القيادة، فترى أن من حقها أن تتدخل في كل ركن من أركان العالم وأن تفرض سياستها عليه. وإذا قبلت دولة كبرى بجانبها إنما تقبلها لتستعين بها عندما ترى أنه لا بد من ذلك وحتى تظهر للعالم أنها غير متفردة في شؤون العالم وأن غايتها ليست إقالة الآخرين وعزلهم فيسبب لها مشاكل كبيرة كما حصل لها في عهد بوش المنصرم. ولكن الحقيقة أنه لا يحق لأمريكا أن تقود العالم وهي ليست أهلا لذلك، لأنها لا تعمل لخير العالم وإنما تعمل لتحقيق مصالحها الذاتية فقط.
5.تعتمد على الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي ومنه أفريقيا، وتعمل على ربطها بها تحت اسم تقويتها حتى تمرر سياستها بواسطتها. فهي تعتمد على الأنظمة في سوريا وفي تركيا والباكستان ومصر وفي غيرها حتى تمرر أو تنجز أو تثبت سياستها. لأن أمريكا تدرك أنه مهما بلغت عظمتها فإنه إن لم يكن لها أدوات للتنفيذ فإنه يصعب عليها أن تنفذ كل ما تريد ويكلفها الكثير. فقوة هذه الإنظمة العميلة ليست نابعة من سند طبيعي وهو الأمة، وإنما نابعة من سند خارجي وهو أمريكا التي تعمل على تقوية تلك الأنظمة لبسط نفوذها ولتركيز هذا النفوذ في العالم الإسلامي. فاذا أدركت الأمة الإسلامية ذلك واستعدت للتضحية فإن بمقدورها إسقاط هذه الإنظمة المدعومة أمريكيا وكذلك طرد أمريكا من المنطقة الإسلامية كلها وإقامة صرح خلافتها العظيم.