Take a fresh look at your lifestyle.

لغة لها أعداء- ج2

 

مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

 

قلنا مستمعينا الكرام في الحلقة السابقة إن الغرب قد عمد – ضمن حملته على الإسلام- إلى ضرب اللّغة العربية التي هي وعاء الإسلام ولا يُحمل الإسلام إلا بها.
وقد بدأت أعمال الهدم في اللّغة العربية مبكراً، بل حتى قبل القضاء التام على كيان المسلمين السياسي المتمثل في الخلافة العثمانية.

 

أما الذين حملوا معول الهدم فكانوا أصنافاً ثلاثة: إما مسلمون مضبوعون بالغرب وأفكاره، منحرفون عن دينهم، أو نصارى عرب متآمرون على ضرب الإسلام واللّغة العربية، أو مستشرقون غربيون.

 

فهذا من يسمى زوراً «عميد الأدب العربي» طه حسين يقول: «إنّ اللّغة العربية ليست مُلكاً لرجال الدين يُؤمَنون وحدهم عليها، ويقومون وحدهم دونها، ولكنها ملكٌ للذين يتكلمونها جميعاً، وكلُّ فردٍ من هؤلاء الناس حرٌّ في أن يتصرف في هذه اللّغة تصرف المالك …» (المجموعة الكاملة لمؤلفات طه حسين). فهو يريد أن يُفقِد اللّغة أهميتها الدينية ويسلخها عن ارتباطها بالدين لتسير ما سارت إليه اللّغات البائدة، وما كتابه في الشعر الجاهلي إلاّ من هذا القبيل.

 

وأما (كارل فولرس) فكتب كتاباً اسماهُ: (اللّهجة العامية في مصر)، وقال في محاضرةٍ له عام 1893 «إنّ ما يعيق المصريين عن الاختراع هو كتابتهم بالفصحى، وما أوقفني هذا الموقف إلاّ حُبي لخدمةِ الإنسانية، ورغبتي في انتشار المعارف».

 

ولم يكن هذا الوباء في مصر وحدها؛ فهذا «إسكندر معلوف» اللبناني أنفق وقته في ضبط أحوال العامية، وتقييد شواردها لاستخدامها في كتابة العلوم؛ لأنَّه وجد أسباب التخلف في التَّمسك بالفصحى، ونحا ابنه عيسى نحوهُ فيقول: «إنَّ اختلاف لغة الحديث عن لغة الكتابة هو أهمُّ أسباب تخلفنا رغم أنَّهُ من الممكن اتخاذُ أيِّ لهجةٍ عاميةٍ لغةً للكتابة؛ لأنها ستكون أسهل على المتكلمين بالعربية كافة، ولي أملٌ بأن أرى الجرائد العربية وقد غيّرت لغتها، وهذا أعدُّهُ أعظم خطوةٍ نحو النجاح، وهو غاية أملي».

 

أما أحمد لطفي السيد «مفسد الجيل» والذي كان يُسمى أستاذ الجيل وهو مُنشئ الوطنية المصرية الحديثة، فقد أشاد باستعمال اللّغة العامية، ودعا إليها في كثير من المناسبات وأحمد لطفي السيد هذا تولى رئاسة مَجمع اللّغة العربية؛ فأيُّ مَجمع هذا؟

 

وكان للمغرب العربي نصيب من هذه الدعوة؛ فقد أصبحت اللّغة العربية لغة ثانية بعد الفرنسية «لغة المستعمر»، وجاء في تقرير أعدته لجنة العمل المغربية الفرنسية: «إنَّ أول واجبٍ في هذه السبيل هو التقليل من أهمية اللّغة العربية، وصرف الناس عنها بإحياء اللهجات المحلية واللّغات العامية في شمال إفريقيا» (الاتجاهات الوطنية في الشعر العربي المعاصر، لمحمد محمد حسين).

 

ويخرج علينا عضو في مجمع اللّغة العربية وهو «عبد العزيز فهمي» ليدعو عام 1913م لكتابة العربية بالحروف اللاتينية، وأصدر كتاباً يوضح فيه طريقته، جاء فيه بالعجب العجاب؛ فقد جمعَ نماذجَ للكتابة، يكتبها ويكتب تحتها ترجمتها بالحروف العربية، ويقول ناشر الكتاب: «ونجحت التجربة في تركيا، وهم يقرؤون اللّغة التركية بالحروف اللاتينية (الاتجاهات الوطنية).

 

هذا ما كان عليه الحال في أواخر القرن التاسع عشر من محاولات طمس معالم اللّغة العربية أو تهميشها او استبدالها بلغات أجنبية.

 

ولكن تلك المحاولات لم تتوقف عند ذلك الزمان، بل استمرت حتى يومنا هذا.

 

نكتفي مستمعينا الكرام بهذا القدر في هذه الحلقة ونكون معكم إن شاء الله في الجزء الثالث والأخير مع شكلٍ آخرا من أشكال الهجوم على اللغة العربية وهي تلك التي تسمى بالعولمة الفكرية والثقافية.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.