خبر و تعليق تمزيق العالم الإسلامي
كما أنّ جنوب السودان الغني بالنفط في طريقه للانفصال عن السودان، فإنّ هناك شواهد متزايدة تدل على أنّ الغرب بقيادة أميركا يقود جهوداً حثيثة من أجل تقطيع أوصال بعض البلدان الإسلامية والتحريض على تغيير أنظمة أخرى، كما أنّ الحملات المتواصلة في وسائل الإعلام الغربية حول تعزيز الحرية والديمقراطية في العالم تكشف عن الدوافع الحقيقية الأمريكية التي تهدف إلى استمالة النخب الحاكمة ألأكثر مرونة لخدمة مصالح الولايات المتحدة والخضوع للهيمنة الأمريكية.
وقد شجع فصل جنوب السودان برعاية أمريكيا المسيحيين في نيجيريا ومصر إلى المطالبة بالاستقلال عن الدولة، ففي مصر دعا زعماء الأقباط إلى إقامة دولة مستقلة قبطية على نموذج الفاتيكان، وقد كان عوديد ينون، الصحفي الأمريكي اليهودي، أول من أوحى لقادة الأقباط عام 1982 بهذا التطلع، ففي الورقة التي نشرها بعنوان “إستراتيجية لإسرائيل في الثمانينات من القرن” قال فيها: “مصر مقسمة وممزقة بين بؤر عديدة للسلطة، وإذا تقسمت مصر فإنّ دولا مثل ليبيا والسودان أو حتى الدول الأبعد لن تستمر في توحدها في شكلها الحالي، إنّ رؤية دولة قبطية مسيحية في صعيد مصر إلى جانب عدد من الدول التي تعاني من ضعف السلطة وبدون حكومة مركزية كما هي عليه الآن هو مفتاح للتنمية التاريخية التي كان من المقرر العودة إليها بموجب اتفاق السلام، ويبدو أنّ ذلك لا مفر من ذلك على المدى البعيد “.
إنّ فكرة إنشاء الدولة القبطية المقدسة في مصر مماثلة لتلك التي يدعو إليها الملازم الأول الكولونيل رالف بيترز الأمريكي، دولة شبيهة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، ففي يونيو 2006 نشر بيترز خريطة ‘للشرق الأوسط الجديد’ في طبعة يونيو لمجلة القوات المسلحة الأمريكية، وصفت المجلة صورة مشوهة ‘للدولة الإسلامية المقدسة” التي تتكون من مكة والمدينة معزولة عن باقي المملكة العربية السعودية.
وفي وقت سابق، لعب مسئولون أمريكيون على وتر الاختلافات الطائفية والعرقية، ودعوا إلى إنشاء دولة شيعية عظمى تمتد من لبنان إلى باكستان، وكان وراء هذه الفكرة السيطرة على النفط بعيدا عن الهيمنة السنية، حيث يعتبر الأميركيون الشيعة أكثر ثقة في إدارة مصالحهم الاستعمارية، وفي الواقع فإنّ بعض الزعماء في الشرق الأوسط يعتبرون الاحتلال الأمريكي في العراق كخطوة أولى نحو الهيمنة الشيعية في المنطقة بأسرها، ففي مقال بعنوان “العراق والأردن وتهديد الانتخابات في إيران” الذي نشرته واشنطن بوست في 8 نوفمبر 2004، حذر الملك عبد الله من أنّه “إذا هيمن السياسيون الموالون لإيران على الحكومة العراقية الجديدة فإن هلالاً شيعيا يمكن أن ينشأ يمتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان، سيغير التوازن التقليدي للسلطة بين الطائفتين الإسلامية الرئيسيتين، ويشكل تحديات جديدة لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وقد ذهب أبعد من ذلك ليقول بأنّ إيران كانت المستفيد الرئيس من الفوضى في العراق “منذ أن صعد الشيعة إلى السلطة في العراق كرر الملك عبد الله كثيرا أنّ احتلال أمريكا للعراق هو لتعزيز سلطة الشيعة في جميع المنطقة”.
لقد كانت الإطاحة بابن علي حدثا ليس عشوائيا، بل كان نتيجة للفساد المستشري الذي استمر ل 23عاما برعاية غربية، إضافة للظروف الاقتصادية العصيبة التي تزداد سوءا بسبب الأزمة المالية العالمية وبرامج صندوق النقد الدولي القائمة على مص دماء الشعوب. وأمريكا تنتظر بفارغ الصبر لاندلاع اضطرابات مماثلة في الجزائر وليبيا والأردن ودول الخليج تمكنها من هندسة الأنظمة على نحو يكون ولاؤها أكبر لأمريكا على حساب القوى الأوروبية القديمة، مع الاستمرار في قمع المسلمين.
الدولة اليهودية ومؤيدوها الغربيون يعملون على إحياء الأحلام التاريخية التي تتبنى علناً وجهات نظر حول أفضل السبل لالتهام العالم الإسلامي، فلا عجب إذاً أن تُظهر وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون غبطتها لأحداث تونس واستخدام الأحداث لإطلاق انتقادات على الزعماء العرب الموالين لأوروبا، حيث قالت “إنّ هناك أماكن عديدة في المنطقة غارقة في الرمال، وإذا أرادت الدينامية الجديدة في الشرق الأوسط أن تتجذر وتنمو في كل مكان فإنّ عليها أن تقوي من تواجدها على الأرض، وبالرغم من أنّ بعض البلدان قد خطت خطوات واسعة في الحكم، إلا أنّ شعوبها قد سئمت المؤسسات الفاسدة والنظام السياسي الجامد، إنّ أولئك الذين يتمسكون بالوضع الراهن لن يكونوا قادرين على كبح الغضب المتصاعد إزاء مشاكل بلدانهم إلى الأبد، فإنّ لم يقدّم القادة رؤية إيجابية ويعطوا الشباب فرصاً في الحياة فإنّ آخرين سيملؤن الفراغ “.
إنّ المصطلحات التي تستخدمها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لوصف محن المسلمين في العالم من مثل ‘الغرق في الرمال’ و’قوس الأزمة’ و’بلقنة’ و’ مبادرة الشرق الأوسط الكبير’ فشلت في إخفاء الشماتة بهم وعيب هيمنتهم على ثروات العالم الإسلامي، وعلاوة على ذلك ، فإنّه من الواضح أنّ الغرب رغم انقساماته إلا أنّ رؤيته واحدة عند وجود فراغ سياسي في العالم الإسلامي، فالسيادة والقهر دعوات تتردد في العواصم الغربية.
إنّ تدمير الأمة الإسلامية، ونهب ثرواتها واستعبادها من قبل أنظمة الكفر هو هدفهم النهائي، “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ“
إنّ سبيل الخلاص الوحيد للعالم الإسلامي هو إعادة إقامة دولة الخلافة، وتعزيز الوحدة السياسية للأمة الإسلامية، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ “إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ” وحينها سيطرد الخليفة الكفار الصليبين من بلاد المسلمين، وسيقضي على الوجود الأمريكي والأوروبي من عالم السياسة ويعيد الإسلام إلى مكانه الصحيح.
“هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ“
عابد مصطفى