Take a fresh look at your lifestyle.

دولة الخلافة هي الدولة الأولى في العالم

 

أنزل الله القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و جعله حكما و قاضيا على الأشياء و الأفعال و جعل رسالة الاسلام و عقيدته قاضية على ما عداها من العقائد و الأديان حيث ختم الشرائع بالاسلام و ختم العقائد بالايمان بالقرآن تصديقا جازما ، فكانت العقيدة الاسلامية و الدين الاسلامي هو المهيمن على كل الأديان ({وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) و قد كانت هيمنة الكتاب على غيره من الكتب و العقائد والأديان أمرا جليّا واضحا لا يحتاج الى اعمال فكر و نظر و إنما نظرة واحدة ترينا كيف أن الاسلام من لدن الدولة الاسلامية الاولى – دولة المدينة المنورة – الى نهايات الدولة العثمانية و الدولة الاسلامية هي الدولة الاولى في العالم فهي التي تدير شئون غيرها فضلا عن شئون نفسها ، الموقف الدولي بيدها و لصالحها ، لا تقبل لها شريكا و ندّا ينافسها و يكون قسيما لها ، ذلك بأن هذا هو من طبيعة الدول المبدئية التي لا تقبل إلا أن تضع مبدأها موضع التطبيق و التنفيذ، و إلا أن تحمل الناس على تنفيذ كل ما من شأنه أن يجعل الإسلام ولا شيْ غيره هو المطبق ، فالدولة المبدئية لا ترضى أن تُنازَع في رعاية شئون الناس إلا أن تكون الرعاية بحسب ما تمليه عقيدة المبدأ عليها . ولعل هذا القيد ليس خاصا بالعقيدة الاسلامية و ان كان فيها أظهر و أجلى ، إلى أن صاحب العقيدة رجلا كان أو حزبا أو دولة ، يجب أن لا يرضى بأن يُدار شأن أو يُتحدث برأي إلا أن يكون عقيدته و مبدأه ، و من الخطر الذي يصيب حامل الدعوة المدئي ، أن يقبل بأن يشاركه غيره في انتزاع جزء من الرعاية و ادارة الشئون بعقيدة غير عقيدته و نظام غير نظامه مهما كان صغيرا، و لعمري فإن الدول المبدئية تضمحل و من ثم تنتهي بتناسب طردي مع تركها لأي شيء من عقيدة المبدأ ، ألا ترى بأن الدولة العثمانية التي كانت لعشرات السنين الدولة الأولى في العالم بلا منازع ثم هي لما غابت عنها الوظيفة التي لأجلها وُجدت و غاب عنها بان دوامها هو بدوام تفرد المبدأ الذي تحمل ، لما غاب عنها ذلك غابت و غاب مبدؤها .

و لعل السبب الرئيس الذي كان له قدم السبق في أفول نجم الدولة العثمانية قبل أن ينطفئ نجمها تماماً هو قبولها أن تُنازَع الرعاية وإدارة الشئون في الأرض التي كانت قد بسطت سيطرتها عليها ولا أدلّ على ذلك من قبولها في نهاياتها من أن تقوم بعض الدول مثل فرنسا و بريطانيا بإدارة شئون رعاياهم داخل حدود الدولة ، ما أدى بالتالي إلى صناعة جيل كان عبارة عن قنابل موقوتة داخل جسم الدولة .

إن الدولة المبدئية التي أخذت على عاتقها نشر مبدئها لا يجب ان يغيب عنها بحال أن بقاءها ببقاء مبدئها ودوامها بدوامه ، و لذلك فهي دائما تضع الخطط و الأساليب حتى تبقى سيدة الدنيا سواء في الجانب الاقتصادي ام العسكري بل و حتى العلمي فإنها لا تقبل أن تكون رقم اثنين في أي جانب حتى تُبقي الرهبة منها في صدور أعدائها الذين يتربصون بها الدوائر ولا يُقال إن الجانب العلمي عالمي و للدولة أن تأخذه من اي كان بغض النظر عن مصدره ، لا يُقال ذلك ، فبالرغم من أن هذا القول صحيح إلا أن الدولة يجب عليها أن تعمل على أن تكون هي الدولة الأولى في كل شيء حتى لا تقع فريسة بيد أعدائها لضعفها في جانب ما ، و لعلنا في هذا الموضوع نتناول الجوانب المهمة التي لا بد أن تبقى الدولة عليها حتى تضمن تفردها وتفوقها في الأمور كافة وبخاصة في الجوانب السياسية والاقتصادية والعلمية لعلنا نتجاوز أخطاءً وقعت فيها الدولة وبالذات الدولة العثمانية سيما في نهاياتها عندما بدأ السوس ينخر في أصل فكرتها حتى وصلت الى نهاية مأساوية انتهت بزوالها ثم بعد غاضت وغاض مبدؤها من الدنيا فلم يعد يدار شأن أو يلتفت لأمر مهما صغر أو كبر وللدولة فيه تأثير أو وزن لا ناقة لها في الدنيا ولا جمل وأي أمر أعظم من إعطاء اليهود أرض فلسطين وكتابة العهود والمواثيق لهم بذلك والدولة ما زال يحكمها رجل يسمى خليفة يُدعى له على المنابر وتصك النقود باسمه ثم ألم تقتطع أرض الإسلام قبل الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وغيرها ودولة الخلافة قائمة ولعلنا في هذا الموضوع نطرح بعض الجوانب التي لا بد أن تهتم الدولة بها فلا تقلل من شأنها وبخاصة في الجوانب السياسية والاقتصادية بل وحتى العلمية فنقول :

في الجانب السياسي :

قبل الحديث في الجانب السياسي لا يجب أن يغيب عنا بأن السياسة هي الرعاية ، و الرعاية تكون حسب عقيدة المبدأ فكل أعمال الدولة في الداخل أي داخل حدودها أم في الخارج أي خارج حدودها هي اعمال رعاية ، بمعنى ان أعمال الدولة كافة تصب في هذا الجانب و لأجل ذلك تضع الدولة الخطط و الأساليب لنشر المبدأ و المحافظة عليه ، فهذا هو حجر الزاوية في علاقة الدولة بغيرها من الأمم و الشعوب ، و لأجل أن تبقى الدولة الإسلامية الدولة الأولى في العالم فعليها أن تقوم على أمور نذكر أبرزها أمثلة ولا ندعي الحصر :

1- ليس للدولة أن تعقد أي معاهدة او أن تصالح على وضع حدود جغرافية مع أي دولة جارة أو غير جارة ، مما يسمى بمعاهدات حسن الجوار التي تُعقد بين الدول بحيث تكون هذه الحدود محترمة لا يجوز المساس بها أو التعرض لأصحابها كالاتفاقيات التي قامت بين الدول على أساس سايكس بيكو والتي ما وضعت إلا لترسيخ التقسيم في بلاد المسلمين وللحيلولة دون وحدتهم وكان أن أصبحت الحدود الجغرافية بين الدول لها من الاحترام والقداسة ما لها لا يجوز المساس بها أو عدم الاعتراف بها سيما بعد أن أجمعت الدنيا على الاعتراف بها خطوط طول وعرض وسكان وحدود من الجهات الأربع و… فهذه الاتفاقيات وأمثالها لا يجوز للدولة أن تعترف بها أو أن تقرها فأمة الإسلام أمة واحدة يحكمها رجل واحد هو الخليفة ليس بينها حدود يقول صلى الله عليه وسلم: ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه )) فهذا أمر منه صلى الله عليه وسلم بقتل من يريد أن يفرق المسلمين ويقسم أرضهم وبمفهوم الموافقة وما هو من باب أولى لا يجوز أن توافق الدولة على ترسيم الحدود مع ما يسمى بالدول المجاورة بل على العكس من هذا تماما فإنها يجب أن تعمل ومنذ اللحظة الأولى لقيامها على ضم كل البلاد إلى جسم الدولة ولا نقصد بقولنا (( أن تعمل )) أن تعلن الحرب على الأسود والأحمر من الناس من أول يوم تقوم فيه ولكن المعنى أن تتلبس بالأعمال التي من شأنها بالنهاية أن تفضي إلى ضم البلاد لتصبح بلدا واحدا فليس هناك مركز وأطراف أو أي شيء يوحي بالانقسام و أيضا فإن الاعتراف بالحدود معارض بما فعله صلى الله عليه و سلم و الصحابة من بعده من فتحهم للبلاد و نشرهم للاسلام ذلك بان هذه وظيفة الدولة و هذا عملها ، ولذلك كان من الخطرأن تلتزم الدولة بهذه المعاهدات على وجه تأبيدي ، و لكن لها ان تعقد معاهدات في حسن الجوار مؤقتة بوقت و ذلك من فعله صلى الله عليه و سلم في صلح الحديبية ، فإنه بهذا الصلح قد تفرغ لتثبيت كيان الدولة و حفظ بيضتها .

2- نشر الإسلام واجب و نشره يقتضي إزالة كل الحواجز التي تقف في وجهه فحدود الدولة هي الأرض كلها مشارقها و مغاربها و لذلك كان من الخطر أن تقبل الدولة بقسمة العالم مناطق نفوذ بينها و بين غيرها كما فعلت بريطانيا و فرنسا ابان القرن الثامن عشر و التاسع عشر و كما فعلت امريكيا و روسيا أوائل الستينيات من القرن العشرين فإن هذا كفيل بالإجهاز على المبدأ الذي لا يقبل القسمة على اثنين ولا أبالغ اذا قلت بأن الدولة العثمانية فقدت ذاتها منذ ان قبلت بان تتخلى عن نشر الاسلام و بث العقيدة فالدول التي كان خيالها لا يتصور الا محاولة الوقوف في وجه المد الاسلامي أصبحت تفكر كيف لها أن تدمر الدولة الاسلامية و تستأصل شأفتها ، حتى داخل مناطق نفوذها فبدأ الاحتلال يطال دار الاسلام قبل زوال الخلافة بعشرات السنين و ما ذلك إلا لأن الدولة رضيت بحدود لا تتجاوزها فنسيت وظيفتها التي لأجلها اقتعدت الصدارة و المكانة العظيمة ألا و هي نشر الاسلام كاملا في الأرض كلها .

3- إن نشر الاسلام يقتضي بيانه للناس ولا يعني نشره أن يكون فقط نظاما يُطبق على الناس فالنظام ثمرة لمجموعة أعمال تسبق تطبيقه لوائح و قوانين ، فإن الخطر يأتي من الظن بأن وصول الاسلام للناس هو تطبيقه عليهم بالحديد و النار كما فعل الشيوعيون عندما ظنوا أن تطبيق الاشتراكية أنظمة و قوانين ، كاف لنجاح الفكر دون ان يكترثوا بوصول الفكرة للناس قناعة قبل أن تكون قانوناً ، فوجود الاسلام رأيا عاما منبثقا عن وعي عام هو الضمانة الفعلية لتطبيقه و دوام تطبيقه ، و قوة الجندي و صرامة القانون ليست هي الاصل في نجاح وصول الفكرة الى الناس وحتى لا يحدث الالتباس والخلط فإن المقصود بأن الدولة تهتم بحمل الإسلام للناس حملا فكريا موازيا تماما لحمل الناس عليه أنظمة وقوانين سيما في البلاد المفتوحة حديثة العهد بالإسلام وعقيدته فإن أصحابها لابد من العناية بهم حتى بعد دخولهم الإسلام فالخوف من حديثي الإسلام أن يعاودوا تركه إن لاحت لهم فرصة أو واتتهم ظروف سيما ونحن نعرف بأن الكفار لا يزالون يقاتلونا ولذلك يجب على الدولة أن تعتني بهذا الأمر جيدا وهناك شيء من هذا القبيل حصل في ظل دولة الخلافة الأموية مع البربر فالأمر هذا يتطلب العناية القصوى من الدولة حتى لا تنشغل بحروب داخلية أو ثورات من أجل المطالبة بالاستقلال أو الانسلاخ عن جسم الدولة

4- ما يُسمى بالمواثيق العالمية و القوانين الدولية مكتوبة كانت أم متعارفًا عليها ، فبالنسبة لما كُتب بين الدول من مثل اتفاقية جنيف و ملحقاتها و التي تتعلق بالحروب ووجوب مراعاة الأسرى و مناهضة التعذيب و غيرها مما يدخل في رفع الظلم عن الناس فإنه جائز للدولة أن تنضم لها بل وحتى أن تقوم على تأسيسها ، و ذلك مأخوذ من ثنائه صلى الله عليه و سلم على حلف الفضول (لو دُعيت إلى مثله في الاسلام لأجبت) بشرط أن لا يُخالف أي شيء في الاسلام ، أما القانون الدولي فإنه لا وجود له أصلاً ، فضلا عن كونه يُخالف الأحكام الشرعية فإن العالم لا بد أن يُحكم في النهاية بقانون المنتصر ، فإن لم تكن الخلافة و قوانينها فليس أقل من أن نُبقي حالة العداء بين الدولة و غيرها ثم إن الأمر إما ان يكون الدين كله لله و إما غير ذلك ولا ثالث لهما ، فالقسمة ثنائية ولا سبيل إلى حل وسط ، و لذلك فلا قيمة لمجلس الامن ولا للأمم المتحدة ولا لصندوق النقد ولا غيرها مما أجمع العالم على أن القول ما قال ، فضلاً عن ان هذا أي الاعتراف بأي شرعة دولية أو قانون دولي هو اعتراف بشرعة و شريعة غير شريعة الاسلام ، و هذا مخالف لقوله تعالى : ((وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)) و مخالف كذلك لقوله صلى الله عليه و سلم: ( لا تستضيئوا بنار المشركين )

أما في الجانب الاقتصادي:

فإن الدولة و من باب رعاية الشئون كذلك فإنها تعمل على أن تكون الدولة الأولى في العالم دائماً و ذلك بعد أن تكون قد امنت رعاياها في الداخل . و ما عليها أن تفعله:

1- يجب عليها و منذ اللحظة الاولى لقيامها أن تعمل على أن تكون عملتها هي الذهب و الفضة لا غير بحيث يُجعلا مقياساً وحيداً للسلع و الخدمات ، فإن نظام الذهب فضلاً عن كونه حكما شرعيا فإنه يحقق الاستقرار النقدي و المالي و الاقتصادي ، ذلك أن ثبات سعر الصرف يُحدث التقدم في التجارة الدولية بحيث لا يخشى التجار من توسع تجارتهم لأن سعر الصرف ثابت .

2- يجب على الدولة و منذ اللحظة الأولى لقيامها أن تعمل على سياسة اكتفائية بحيث تستطيع أن تقوم بنفسها و بالذات حال إعلان الدولة فإن الدولة حال إعلانها لا يُتصور ان تكون بين ليلة و ضحاها هي الدولة الأولى في العالم ، و لذلك يجب على الدولة أن توفر على الأقل الحاجات الاساسية للفرد و للأمة و للدولة ، و هذا ما يُسمى عند أهل الاقتصاد ( بالسياسة الإكتفائية الإنعزالية ) ثم إن الدولة بعد ذلك تعمل على الانتقال إلى ( السياسة الاكتفائية التوسعية ) و لئن كانت السياسة الانعزالية الخطوة الاولى فإن السياسة التوسعية و التي من خلالها تقوم الدولة بتوفير الحاجات الكمالية للفرد و الدولة و الامة تعد الخطوة الثانية و ذلك من خلال الضم ، أي ضم غيرها لها أو بالمعاهدات التجارية بينها و بين غيرها من الدول ولعل الثانية أسرع انجازاً من الأولى ، ذلك أن الأولى و هي الضم تتطلب إزالة الحواجز الجغرافية بين الدولة و غيرها و هذا يتطلب كدّاً و جهدا قد لا يتوفرا للدولة حال قيامها و النقطة هذه تقودنا بالضرورة لأن نتجاوزها إلى الثالثة .

3- لا بد أن تكون الدولة تملك سلعة ضرورية يحتاجها العالم كالبترول مثلاً أو الغاز ، و هذا ما يجعل العالم حال تطبيق سياسة اكتفائية انعزالية متأذيا من سياسة الدولة تلك ، فالدولة لم تلجأ إلى هاتيك السياسة الا اضطراراً فكون الدولة تملك سلعة أساسية يحتاجها العالم سيكون مدعاة للدول أن تعمل على فك الحصار عن الدولة من أجل تبادل السلع والخدمات معها ألا ترى أن ايران مثلا كلما هددها العالم بزيادة الحصار هددت بالبترول و إغلاق المضائق .

أما في الجانب العلمي : فإنه يجب على الدولة أن تعمل على :

تشجيع كل أنواع العلوم العملية من صناعة عسكرية أو غير ذلك ، بحيث تفتح المراكز البحثية و المختبرات العلمية التي تجعل الدولة في أمر الصناعة الدولة الاولى و هذا كله تحت الآية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} ولا أدلّ على الرهبة و الخوف التي توقعها الدولة في صدور أعدائها من أن تفوق الدول كلها في الجوانب العسكرية و العلمية كما تفوقها في الجانب الفكري و العقدي.

الإخوة الكرام :

إن الأساس الذي تعتمده الدولة في الجوانب السياسية و الاقتصادية و العلمية هو ضمان أن تبقى دولة الخلافة هي الدولة الاولى في العالم و القيّمة على كل الدنيا ولا عجب ، فالعقيدة هذا شأنها و الفكرة هذا ديدنها ، لا تقبل المشاركة مع غيرها ، قوّامة على الدنيا بأسرها عقيدة سياسية يُفكر معتنقها كيف تكون الرعاية و فيم تكون فهو دائم التفكير في الدنيا بأسرها و كيف يصلح حالها و شأنها .نسال الله أن يمكن لنا ديننا ويجعل لنا القوامة على كل الدنيا انه ولي ذلك والقادر عليه.

 

أبو المعتز