خبر وتعليق خاب ظن الرئيس وهو واهم
في 25/1/2011 بث خطاب للرئيس السوداني عمر البشيرللناس بولاية نهر النيل في الشمال قال فيه:” الشعب خيب آمال الواهمين الذين يظنون ان زيادة اسعار الوقود والسكر ستؤدي إلى إندلاع المظاهرات في الشوارع كما حدث في تونس”. وقال:” في اليوم الذي نشعر فيه بأن الشعب رافض لنا سنخرج له في الشوارع ليرجمنا بالحجارة، ولن نذهب خارج السودان وانما سندفن هنا”. وأعلن عن ” مشاركته للاحتفال بالدولة الجديدة”. وقد جدد قوله” بعدم التنازل والمساومة في الشريعة الإسلامية”. وذكر بأن:” انفصال الجنوب لن يكون نهاية التاريخ، وإنما بداية لثورة جديدة نتبنى من خلالها سوداننا الجديد الذي نرفع راياته”.
وتعليقا على خطاب الرئيس السوداني نقول:
1.إن الذي يقرأ كلمات الرئيس السوداني يدرك ان هذا الرئيس إما هو يتمتع بالغباء أو انه يستغبي الناس ويعتبرهم اناسا لا يدركون ولا يفهمون، أو انه يظن بأن الشعب ميت او خامل لا يمكن ان يتحرك مهما ظلم ومهما قسمت بلاده ومهما ارتكب من خيانات، أو انه يتوهم بأنه لا توجد قوى قادرة على تحريك الشعب وبالتالي على اسقاطه. ويظهر انه آوى الى ركن يظنه قوي شديد يأويه ويحميه، وهو أمريكا التي جلبته الى الحكم وحمته حتى هذا اليوم رغم محاولات الاوربيين لاسقاطه عن طريق عملائهم في الداخل وعن طريق محكمة الجنايات الدولية، ولذلك هو واثق من دعم أمريكا له ما دام يقدم لها التنازلات وينفذ لها كامل خططها وهو لا يرد لها طلبا ولا يعصي لها أمرا أمرته به. ولذلك يتوهم انها لن تتخلى عنه لانها لم تستطيع ان تجد عميلا بقدره ينفذ لها كل ما تريده بهذه الشكل. فأمريكا نفسها لم تتوقع أن يصبح لها عميل في السودان مثل عمر البشير يقبل بتمزيق بلاده! فجعفر النميري رغم عمالته لامريكا فلم يستطع ان يقدم لها مثل هذه التنازلات فيما يتعلق بانفصال الجنوب.
2.فانطلاقا من هنا يقوم البشير بفرض الضرائب على اسعار المواد الأساسية اللازمة لقوت الشعب الفقير اليومي ويرفع الدعم الحكومي عنها، فيتوهم انه مهما رفع من اسعار المواد الاساسية فان الشعب مستعد للتحمل والصبر على الجوع وشظف العيش، لان الشعب يموت من أجل بقاء الرئيس! وقبل ذلك قام ووقع على اتفاقية نيفاشا الخيانية عام 2005 التي تتضمنت انفصال الجنوب، ويقوم ويبارك بانفصال الجنوب، بل يستعد لان يكون اول المعترفين بالانفصال والداعمين للدولة الوليدة التي ترعاها أمريكا فارتكب خيانة عظيمة. فهو واثق من ان الشعب لن يثور ضده عندما يرفع الاسعار لانه ارتكب خيانة اعظم ولم يثر الشعب، ولان اوروبا لم تستطع ان تسقطه او تعتقله عن طريق محكمة جناياتها الدولية ولم تستطع ان تسقطه عن طريق عملائها في الداخل وهم قد وافقوا مثلما وافق هو على انفصال الجنوب فهم في الخيانة سواء. وبقي المخلصون الذين قاموا بحملات كبيرة واعمال لا يستهان بها لمنع انفصال الجنوب فقاموا بأخذ تأييد كثير من الناس في عملهم المخلص، وكأن البشير يرى ان هؤلاء المخلصين ليست لديهم القدرة على اسقاطه وهو متيقن من انه لا توجد ورائهم دول استعمارية مثل امريكا او بريطانيا او فرنسا حتى تدعمهم بل ان هذه الدول الاستعمارية الكبرى مستعدة ان تسحقهم وتحميه لانهم أعداء هذه الدول وتعتبرهم متطرفين واراهابيين، ولذلك فيشعر انه في مأمن، ويظهر انه غير خائف وواثق من انه لن يسقط. ولو فرضنا جدلا ان هؤلاء المخلصين غير مهيأة لهم الامكانيات والظروف حاليا، أفلا يخاف أن توافيه المنية في أية لحظة ويذهب الى الديان ويحاسبه الحساب العسير؟!
3.يظهر ان الرئيس السوداني غير مكترث بان تتمزق البلاد وتقسم السودان ويتخلي عن قسم من هذا البلد الاسلامي ويقدمه للقوى الاستعمارية ليكون أمانه بأيديهم وتحت سلطانهم سلطان الكفر فيظهر فرحه بسودانه الجديد المبتور. وهو لا يدرك عواقب ذلك وما سيجره ذلك على السودان نفسها وعلى الامة الاسلامية كاملة او انه لا يريد ان يدرك ذلك من ان ذلك سيجر الى تمزيق البلد كاملة، وما دارفور ببعيد عن ذلك. فستبدأ أمريكا بالعمل على فصله بل بدأت تعمل على ذلك وعينت ممثلين عنها سيقومون بالنشاط لتحقيق ذلك. وعندئذ سيقوم البشير ويقول نبارك لاهل دار فور بالانفصال وسنعترف بهم اذا ارادوا الانفصال، هذا اذا بقي البشير في الحكم الى ذلك اليوم، لان الذي يهون ويتنازل مرة وفي امر عظيم يسهل الهوان عليه فهو قابل للتنازل ويوجد المبررات التي يحاول ان يخدع نفسه وغيره بها. فقيادة منظمة التحرير منذ عرفات عندما تنازلت واعترفت بحق كيان يهود بالبقاء في فلسطين عام 1988 هان عليها ان تتنازل اكثر واكثر حتى يكاد ان لا يبقى شيئ لتتنازل عنه. فعدم اكتراث البشير بانفصال الجنوب بل مباركته به واستعداده لان يحتفل بذلك يدل على مدى ضعف احساسه وضعف فكره، فالذي لديه احساس يغار على بلده، فذلك مثل عرضه فلا يقبل ان ينتهك فيدافع عنه ولو سالت الدماء ووصلت الى الركب كما يقال، بل يعتبر ان اسالة الدماء هي التي تطهر الشرف، وليس المباركة والاحتفال بانتهاك عرضه وشرفه. فعديمي الاحساس هم الذين يحتفلون ويباركون بعدما ينتهك عرضهم ولا ينتقمون ويرضون بالواقع الذي وجد يبتغون عرض الحياة الدنيا.
4.ان فعل البشير هذا ليدلل بصورة لا لبس فيها على مدى بعده عن تطبيق الشريعة الاسلامية ومدى مخالفته لها ويدّعي انه لن يتنازل ولن يتخلى عن تطبيقها. ألا يعلم ان اول حكم يطبق من الشريعة الاسلامية هو المحافظة على وحدة البلاد وجعل أمانها وسلطانها بيد المسلمين وان القتال من اجل المحافظة على ذلك هو من اولى فروض الشريعة؟ فما يظن بتطبيق الشريعة؟ أيظن انه جلد امرأة لبست البنطال او قطع يد سارق جوعه وفي ذات الوقت يترك اعظم الفروض والتي تتعلق بمصير الامة وبمصير بلادها؟!
5.نقول لعمر البشير الواهم بدعم امريكا لرئاسته الى النهاية، ان قرينك برويز مشرف في الباكستان وقد توهم مثلما توهمت فقدم التنازلات لامريكا ما لم تتوقعه حتى تخلى عن قضية كشمير ونفذ لها كل ما تريد في الباكستان حتى انه اعلن الحرب على شعبه من اجل ان تبقيه امريكا في الحكم، حتى وصفوه الامريكان بأنه كنز اكتشفوه فاستفادوا منه بكل ما استطاعوا، وعندما انتهى دوره وقبل ان يكمل رئاسته التى انتخب بها لفظته امريكا كما تلفظ النواة، فأصبح يعيش كالذليل في بريطانيا يبحث عن مأوى يأمن فيه. وقد جعلت الشعب في اندونيسيا يخلع عميلها سوهارتو ومن بعده حبيبي الذي وقع على انفصال تيمور الشرقية، فهل تظن ايها الرئيس انك لا تشبه أولئك! فيا عمر البشير ان امريكا قد جعلتك تنجح في الانتخابات فلا تتوهم انها ستبقيك الى أبد الدهر، وربما تجعل الشعب يرجمك بالحجارة اذا اقتضى الأمر. فالذي يركن الى امريكا او الى غيرها من الدول الاستعمارية كالذي يركن الى الشيطان فانه يخذله ويقول له اني ارى ما لا ترى يا قريني وينقص على عقبيه، وخاصة عندما ترى هذه الدول الاستعمارية ان الامة الاسلامية بدأت تتحرك وتريد ان تقيم خلافتها التي ستحاسبك على جريمتك باقرارك بتمزيق بلد اسلامي وتقديمه للكفار ليبسطوا سلطانهم ونفوذهم عليه. ومثال ابن علي في تونس الذي تظن انه لا ينطبق عليك ما هو عنك ببعيد وشعب السودان هو شعب مسلم كشعب تونس فيهما الخير ولن ينقطع منهما.
5.نذكرالبشير كما نذكر كل الحكام والمسؤولين في البلاد الاسلامية الذين اصابتهم الغفلة لعلهم يتذكرون ويتعظون لانهم كما يبدو لا يتعظون من مصير أمثالهم، نقول لهم ان لكل غادر لواء يرفع له يوم القيامة بقدر غدره وخيانته واعظم لواء غدر يرفع لأمير عامة استأمنه الله على رعية ليرعاها حسب شرع الله وعلى بلد ليحميها ويحافظ على وحدتها وتماسكها. فقد ورد في حديث صحيح ان ابا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة العصر ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون له إلا اخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وكان فيما قال إن الدنيا خضرة حلوة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، وكان فيما قال: ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس ان يقول بحق إذا علمه، قال فبكى أبو سعيد وقال وقد والله رأينا أشياء فهبنا، وكان فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ألا إنه ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدره”. وفي رواية صحيحة اخرى عن ابي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا لواء أعظم غدرا من أمير عامة”. ومعنى الغدر الخيانة. فذلك محرم وقد اعتبره العلماء من الكبائر وخاصة عندما يتعلق بمصير الامة فهو من اعظم الكبائر، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان الله تعالى قال: ثلاثة انا خصمهم يوم القيام رجل أعطى بي ثم غدر….”. فالله خصم هؤلاء الحكام يوم القيامة فلهم العذاب الشديد منه، والأمة خصمهم في هذه الدنيا ولهم العذاب الأليم منها، والله من ورائهم محيط.