خبر وتعليق أزمة الحكومة الباكستانية
في27 يناير 2011 وفي وضح النهار، أطلق الأمريكي ريماند ديفيس النار على اثنين من الباكستانيين وأرداهم قتلى في مكان مزدحم في مدينة لاهور، ومن أجل إخلاء سبيله من الحبس الاحتياطي أرسلت القنصلية الأميركية سيارة تحمل ممثلا عنها، وهذه السيارة نفسها قتلت شخصا آخرا بينما هي في طريقها لإخلاء سبيل القاتل، وقد كان الناس على وشك قتل القاتل في مسرح الجريمة إلا أنّ تدخل الشرطة حال دون قتله حيث أخذته في عهدتها، وهكذا قُتل ثلاثة من المسلمين بينما أطلق سراح القاتل وعاد بالسيارة إلى القنصلية الأمريكية بأمان، ومن أجل تغطية خطورة هذا الحادث، أعلنت الشرطة على الفور أن الشخصين الذين قتلهما ديفيس كانوا قطاع طرق وكان قتله لهما دفاعا عن النفس، ولكن في المساء كانت بعض القنوات الإخبارية قد حصلت على تفاصيل الحادث وبدأت ببث أخبار عاجلة مفادها أنّ الشخصين اللذين قتلا على أيدي ديفيس كانا مواطنين عاديين وأنّ الشرطة اكتشفت أسلحة كانت بحوزة القتيلين بصورة غير مشروعة، وتلسكوب وكاميرا وجهاز لتحديد المواقع (جي بي اس)، وأجهزة لاسلكية وبعض الشرائح المتنقلة التي كانت تستخدم للاتصال بالمسلحين في منطقة القبائل، وادعوا أيضا أن ديفيس هو موظف في القنصلية الأمريكية، ولما وصل هذا الخبر لوسائل الإعلام وعلمت أنّ الحبس الاحتياطي لديفيس لم يكن لمواطن عادي أمريكي وأنّه كان في الحجز لسبب خاص، كما قدم شريط فيديو للجثتين بعد قتلهم بطريقة محترفة، ما أكد على قناعة أهل باكستان عن دور الأجهزة الأمريكية في زعزعة الاستقرار في باكستان.
هذا الحادث أجج المشاعر القوية والموجودة أصلا ضد أمريكا، فقد بدأت احتجاجات غاضبة في جميع أنحاء باكستان مطالبة برأس ديفيس، والقبض على قتلة الضحية الثالثة وطرد الأجهزة الأمريكية من البلاد، وقد أصبحت هذه الاحتجاجات أكثر غضبا عندما احتجت أرملة أحد الضحايا على موقف الحكام بأنّهم لم ينصفوها وذلك بقتل نفسها، على الرغم من أنّها كانت حاملا، وقد كان الاستياء الشعبي ضخما بحيث لم تجرؤ الحكومة الباكستانية على اتخاذ موقف واضح، وحتى القنصلية الأمريكية لم تتمكن من كشف ما إذا كان ديفيس له صفة دبلوماسية أم لا، ولكن بعد أيام قليلة أعلنت القنصلية الأمريكية عن أنّ ديفيس يتمتع بالحصانة الدبلوماسية، وقد تم احتجازه بشكل غير قانوني وينبغي على حكومة باكستان أن تحترم اتفاقية فيينا والإفراج فورا عن ديفيس.
لقد خلق الموقف الأميركي المتغطرس مزيدا من المشاعر المناهضة لأمريكا، حيث أنهم لم يحاولوا إظهار أدنى المشاعر الأخلاقية والإنسانية بتقديم واجب العزاء في الضحايا وطلب المسامحة في هذا الحادث، كما أنّ مشاعر الناس ظلت ملتهبة حتى بعد ثلاثة أسابيع من هذا الحادث وحكومة زرداري لم تكن قادرة على التعبير عن وجهة نظرها فيما يتعلق بالحصانة الدبلوماسية لديفيس، وقد تغير الوضع بشكل كبير عندما قال الرئيس الأميركي في 15 فبراير خلال مؤتمر صحافي بأنّ ريماند ديفيس يتمتع بالحصانة الدبلوماسية وعلى باكستان أن تفرج عنه فورا وفقا لاتفاقية فيينا، وفي مساء اليوم نفسه حضر عضو مجلس الشيوخ جون كيري رئيس لجنة مجلس الشيوخ للشئون الخارجية إلى إسلام أباد، وقدم وجهة النظر الأمريكية حول هذه القضية أمام وسائل الإعلام حيث بثت على الهواء مباشرة على جميع القنوات، وقال بأنّه بدأ يشعر بأنّ حكومة زرداري ستفرج عن ديفيس من خلال تمديد الحصانة الدبلوماسية في وقت قريب جدا، ولكن بعد ساعات قليلة تغير الوضع بشكل كبير مرة أخرى عندما عقد وزير الخارجية السابق شاه محمود قريشي، والذي اضطر إلى الاستقالة بسبب مسألة الحصانة هذه، مؤتمرا صحفيا قال فيه بأنّ ديفيس لا يتمتع بالحصانة الدبلوماسية، وبسبب هذا المؤتمر الصحفي اضطرت حكومة زرداري لطلب ثلاثة أسابيع أخرى من المحكمة العليا في لاهور يوم 17 فبراير من أجل معرفة واقع حصانة ديفيس.
وفي هذه اللحظة فإنّ حكومة زرداري تحاول قصارى جهدها لتهدئة الأجواء الساخنة والحصول على موافقة من عائلات الضحايا على قبول الدية قبل انقضاء الأسابيع الثلاثة، فحكومة زرداري بذلك تعتقد أنها سوف تكون قادرة على تهدئة مشاعر الجماهير الغاضبة، وبعد ذلك سوف تكون في وضع يمكنها من تمديد الحصانة الدبلوماسية لديفيس حسب اتفاقية فيينا وهو ما لا ينطبق عليه. وحتى الآن رفضت عائلات الضحايا رفضا قاطعا أي اقتراح من هذا القبيل وهم يطالبون برأس ديفيس، وفي الوقت نفسه فإنّ وسائل الإعلام تتابع باستمرار الإجراءات ويتوفر لديها كل يوم معلومات جديدة عن الحادث أو عن الهوية الحقيقية لديفيس، ولغاية اليوم فقد بثت جميع قنوات الأخبار والصحف خبرا نقل عن صحيفة الجارديان البريطانية مفاده أنّ ديفيس عميل من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وقد كان في مهمة في وقت وقوع الحادث، وفي الوقت نفسه فإنّ الأحزاب السياسية دائمة الاحتجاج ضد هذا الحادث، وكان حزب التحرير قد اصدر بيانا صحفيا إلى جانب إرسال رسائل قصيرة عديدة، كما نظم مسيرات كبيرة في كراتشي ولاهور وإسلام أباد في وقت واحد في 4 فبراير، وما زال يقوم بمظاهرات في مختلف المدن.
الجانب الإيجابي فيما يحدث هو أنّ الشعب الباكستاني قد أصبح على بينة من أمره، فالشعب ليس على استعداد لقبول الهيمنة الأمريكية وخيانة حكامه، وعلى أية حال فإنّ الحكام يحاولون إقناع الناس بأنّ لدينا رهانات اقتصادية ضخمة مع أميركا وليس بوسعنا مواجهة غضب أمريكا، وعلى ذوي الضحايا قبول أخذ الدية كحل جيد لإنهاء هذا الصراع، ولكن لغاية الآن الناس لا يقبلون حججهم، وإذا استمرت هذه الحالة فإنّ حكومة زرداري ستكون تحت ضغط هائل، وإذا ظل هذا الظرف لغاية تقديم الشهادة عن الحصانة الدبلوماسية عن ديفيس إلى المحكمة العليا في لاهور في الجلسة المقبلة فإنّ الحكومة قد لا تكون قادرة على الوقوف ضد الاستياء العام الذي يتخذ شكل الاحتجاجات واسعة النطاق وهجمات واسعة في البلاد، وفي ظل هذه الأجواء فإنّ السعي لأخذ النصرة من أصحاب القوة والمنعة في الجيش الباكستاني مكلل بالنجاح بإذن الله.
نفيذ بوت
الناطق الرسمي لحزب التحرير في باكستان