أيها الأهلُ في ليبيا … يا أحفادَ عمرَ المختار
بعد أن أوشك طاغيةُ ليبيا على الهلاك, فإن الغرب بشقَّيه, أوروبا وأمريكا, يُطلُّ برأسه للتدخل العسكري، حاملاً في طياته العملَ السياسي، لصنع البديل للطاغية, تارةً بحجةِ إجلاء مواطنيهم عسكرياً من ليبيا، وتارةً أخرى بحَّجة الحماية الإنسانية، وإنشاء منطقة حظرٍ جوية، كما جاء في تصريحات المسئولين في أوروبا وأمريكا أمس واليوم 25/2/2011م.
إن أوربا تحاول ترميمَ نفوذها، بعد أن استنفذ طاغيةُ ليبيا القذافي دورَهُ في حفظ هذا النفوذ طوال40 سنة، فتحاول صنعَ بديلٍ له على شاكلته بوجهٍ أقلَّ قبحاً تخدعُ الناسَ به، وأمريكا تُنافِسُها في صنع البديل محاوِلةً إظهارَهُ بوجهٍ جميل! وكلاهما شرٌ مستطير، تأباه الدماءُ الزكيَّةُ، ويأباهُ المؤمنون…
أيها الأهلُ في ليبيا، يا أحفادَ عمر المختار: إن دماءَكم الزكيَّةَ التي بُذلت لتُهلِك الطاغية، هي وحدها التي تُقيم البديلَ التقيَّ النقيَّ الذي يعيدُ ليبيا سيرَتهَا الأولى: بلداً إسلامياً، حراً كريماً، يحتكم إلى شرع الله… فلا تخدعنَّكم كلمات الغرب المعسولة بالأغراض الإنسانية، فَتَدَعوهم يوجِدون لهم بينكم موطئَ قدم، فتندموا ولاتَ حين منْدَم!
إنكم بدأتم حركتَكم على الظلم والطغيان، صادقةً نقية، فاستمروا بها صادقةً نقية، ولقد أصبحتُم قاب قوسين أو أدنى للخلاص من طاغية ليبيا وزبانيته، فاصبروا، واثبتوا على الحق الذي أنتم عليه، ولا تجعلوا للغرب المستعمر طريقاً مُفسِداً إليه، وكما كنتم أقوياءَ في وجه الطاغية، فكونوا كذلك أقوياءَ في وجه أيِّ تدخلٍ للغرب في بلدكم الطاهر، فلا يفسد عليكم انتفاضتَكُم المباركة، ولا يلوث دماءَكم الطاهرة…
يا أحفاد عمر المختار، أيها الأهلُ في ليبيا: لقد ابتُليتم بمصيبةٍ اسمها القذَّافي، أنكر السُّنةَ ونشر الفتنةَ، وإن أشدَّ الناس بلاءاً هو الأمثلُ فالأمثل كما قال صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ» أخرجه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي هذا شهادة لكم بالفضل، وقد أنقذكم الله من هذا البلاء بتضحياتكم وقوة بأسِكم، وغزارة دمائِكم التي ولغ فيها ذلك الطاغية، ناسياً أو متناسياً أنَّ للظالمِ يوماً أسودَ لابد آتيه، فيذوقُ وبالَ أمره فيه، وإنَّه ليوشك أن يواقعه، ولن يفلتَ منه بإذن الله… أخرج البخاري عن أبي موسى قال قالَ صلى الله عليه وآله وسلم «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ».
يا أحفادَ عمرَ المختار، يا جيشَ ليبيا الحرَّ الأبي: إنكم أهلُ القوة، وبكم يبقى الطاغيةُ أو يسقط، فإن وقفتم مع الحق، وهو الأصلُ والفصل، فساندتُم إخوانَكم المنتفضين، سقط الطاغيةُ وداستهُ الأقدام، وبذلك تكونون من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وذلك هو الفوز العظيم.
وأما إن ساندتمُ الطاغيةَ، فإنكم تحملون وزرَهُ على ظهوركم، ووِزرَ الدماء التي سفكها ظلماً وعدواناً، ومع ذلك فلن تمنعوا عنه غضبَ الأمة، وإزهاقَ روحِهِ بيديها، ولكنكم تُطيلون عمره في سفك الدماء، وقتل الأبرياء، مع أن حرمةَ دمِ المسلم أعظمُ عند الله من الكعبة، أخرج ابن ماجه عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ… »، فإن ساندتم الطاغيةَ كنتم من أعوان الظالمين الذين يبوءون بالخزي في الدنيا وعذاب الهون في الآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
يا أحفادَ عمرَ المختار، يا جيشَ ليبيا الأبي: لقد حملتم السلاحَ لحماية الأرض والعِرض، فلا تُلوِّثوه بحماية الظلم والطغيان، وتذكَّروا أنكم أحفادُ الفاتحين المجاهدين الذين انطلقوا بسنابِكِ خيلِهم من أرضكُم الطَّهور، فعَمَروها ثم عَبَروها، وهم يرفعون شهادةَ الحق حيث حلُّوا، على شواطئ البحار وقمم الجبال، وفي السهول وتخوم الصحراء… قاتلوا في سبيل الله الظلمَ وأهلَه، والاستعمار وأعوانَه، وأرغموا إيطاليا على أن تفرَّ مذعورةً مدحورة… فكونوا الشِّبلَ من ذاك الأسد، وانزعوا نفسَ الطاغيةِ من بين جنبيه، فإنَّ من الأعمالِ ما يُكتَبُ عند الله وعند عباد الله في صحائِفَ نقيةٍ بيضاء، فلتكن تلك الأعمالُ أعمالَكم، وتلك الصحائِفُ صحائِفَكم، والله معكم، ولن يتِرَكُم أعمالَكُم.
يا أحفاد عمر المختار، يا جيش ليبيا الأبي: إنكم لقادرون على حسمِ هذا الأمر بإهلاك هذا الطاغية الدموي، وإنْقِاذ الأرضِ والعِرض من جنونه وهلوساته… وفي الوقت نفسه، فإنكم لقادرون كذلك على منع أي تدخُّلٍ غربيٍ بشقيه الأوروبي والأمريكي في بلدكم، فلا تضيع تلك الدماء الزكيةُ سدىً، ولا تذهب تلك التضحياتُ دون جدوى…
وإن حزب التحرير الذي كان أوَّلَ المُضحِّين بالدماءِ النقيَّةِ التقيَّةِ في عهد هذا الطاغية منذ ثلاثين سنة، حيث استشهد على يديه من رجال الحزب ثلاثة عشر من الأخيار الأبرار… هذا الحزب يستنهض هممكم لاقتلاع طاغية ليبيا من وجه الأرض إلى بطنها، هذا إذا لم تلفظ الأرضُ الطيبةُ جيفتَهُ العَفِنَةَ من جوفها!
يا أحفاد عمرَ المختار، أيها الأهلُ في ليبيا، يا جيشَ ليبيا الحرَّ الأبي:
إن دماءكم الزكيةَ التي سُفكت على تراب ليبيا الطَّهور لتستصرخكم أن توفوا حقَّها، فتجعلوا ثمنها ثمناً طيباً طاهراً مباركاً، فتُتَوِّجوا انتفاضتَكُم بنُصرةِ حزب التحرير لإقامة خلافةٍ راشدةٍ، تُقيمُ العدلَ بين ظهرانيكم، فيسعد بها ساكنو الأرض، ويغبطكم عليها ساكنو السماء، وتذكركم بخيرٍ تلك الدماء، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.