مفهوم التغيير وانعكاساته على الواقع
لقد بينت العقيدة الإسلامية النظرة إلى الحياة الدنيا وعلاقة الإنسان بما قبل الحياة وما بعدها وقد أمرت أن يكون تفكير المسلم على أساسها في الحياة وهي التي يجب أن تكون المنظار الوحيد الذي ينظر من خلاله بغض النظر عن الزمان والمكان وبغض النظر عن التطور المادي ومظاهر الحياة وشكلياتها المتجددة، وقد فصلت كيفية تكوين شخصية المسلم وبما وهبه الله من عقلية ونفسية وطاقة حيوية وإرادة فعلية لها القدرة على القيام بأعباء الحياة والواقع الذي تعيشه وهي التي بينت ما يجب الإيمان به من الغيبيات وما يفعل تجاهها وميزتها عن العقائد الباطلة والأفكار الخاطئة والمفاهيم السقيمة. وقد ضمنت للإنسانية العقلية الرائدة والمبدعة إذا ما روعيت الناحية الروحية عند بناء الأفكار والمفاهيم ومن حيث المعالجة الدائمة للمشاكل النفسية. وقد انبثق عنها أحكام، منها ما هو متعلق بالسياسة والناحية الاقتصادية والاجتماعية وقد ضمنت تلك الأحكام المعالجات الجذرية لا الترقيعية لتلك المشاكل والمعاناة التي تحصل على أرض الواقع إذا ما روعت فيها الدقة في النظر والاستدلال والتطبيق. وقد بينت أي العقيدة الإسلامية ما هو متعلق بالتصديق الجازم محصورا بذهنية من سلموا بها تسليما مطلقا وليس طلبا مستحضرا عند قيام الإنسان المسلم بالأعمال المباشر بها في قيامه وقعوده وأخذه وعطاءه فالأعمال متعلقها الأحكام وقد جعلها ثابتة لا تزعزعها الأحداث والمتغيرات الجارية على أرض الواقع فهو أي الإنسان يعمل عقله لاعتقادها فقد حاكت العقل البشري وحركت إحساسه في النظر تجاه ما هو محسوس لصدقها وانطباقها كالإيمان بالله عز وجل وباقران الكريم وبنبوته فرتبت على ذلك قناعة عقلية. حيث يقول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) وكقوله (جددوا إيمانكم بلا اله إلا الله ) ومنها ما هو مطلوب الإيمان بها ولكنها غير محسوسة مهما بلغ الإنسان فيها بالنظر كالإيمان بما هو مكتوب في اللوح المحفوظ وكالإيمان بالملائكة والجنة والنار ويوم القيامة، وكالموت والحياة فان الإنسان لا يملك تجاهها الدفع ولا يملك قدرة أو إرادة على تأخيرها أو تغييرها أو أن يفر هاربا منها. فان لله قدرة نعم وأن لله إرادة وأنه يفعل ما يشاء وما يريد فهو فعال لما يريد، وقد طلبت من المسلم أن يؤمن بها بالقدر المذكور في القران والسنة وأن لا يبالغ الإنسان المسلم فيها فيجعلها حجة على تقاعسه عن القيام بالأعمال المتعلقة برعاية شؤون حياته وحياة أمته والعلاقة الدائرة بين الراعي والرعية لما لها من خطر على الواقع الذي يعيشه المسلمون تجاه الأنظمة والقوانين التي والتي قلبت موازين الحياة في بلاد المسلمين. وعليه يخطئ كثيرا أولئك الذين يظنون أن القدرة والإرادة المعطاة لهم والتي وهبها الله إياهم والتي لها الأثر الأكبر في تغيير نمط الحياة ويربطونها بالقدرة والإرادة الإلهية في تحركاتهم أو سلوكهم مع أن الله قد جعلها حرة مختارة الطريق المنشود في عزتهم ورفعتهم وأمرهم به، أو أن تسلك غيره الذي نهاها عنه. إن مفهوم التغيير مع القعود واليأس والإحباط لا يلتقيان، وعدم القيام بالأعمال والاتكالية والقول أن الله هو الذي يغير ونحن لا نملك تجاه الواقع شيئا من أجل تغيير أو تحسين حياتنا الذليلة والضنكة ليست مطروحة ضمن العقيدة الإسلامية ومفاهيمها ولا الأحكام الشرعية بل على العكس، فمن جراء هذا الفهم المغلوط والسقيم الغير مدروس ترى كثيرا من المسلمين عندما يطرح عليهم التغيير ضمن مشروع العمل الجماعي لتغيير حال الأمة الإسلامية وإحقاق الحق وإبطال الباطل أو إذا ما سؤلوا عن القيام بإنكار المنكر أو الأمر بالمعروف والمطلوب شرعا وهو على الوجوب قالوا ليس بيدنا شيء وان الظلم الواقع علينا أو سوء إدارة بلادنا قد كتبها الله علينا وأن قدرته وإرادته أرادت ذلك أو أن الاحتلال هو قدر الله علينا والتغيير كله بيد الله ومنهم من يقول (الله كريم ) أو (كل شيء في وقته طيب ) أو أن الله جلت قدرته له إرادة فيها أي أن الظلم والفساد الذي نعيشه يربطونه بقدر الله المكتوب، وإرادته له بها حكمة،ومنهم من يقول الحمد لله على كل حال وكأن الله هو الذي يدير شؤونه وحياته التعيسة والمفتقرة إلى أبسط مستلزمات الحياة من ماء وكهرباء وعيش كريم متناسياً أن القائمين على إدارة البلاد مرطبتين بالاحتلال أو الاستعمار وأنهم ينفذون سياسته ويبرمون الاتفاقيات في بيع البلاد والعباد، فمن هو الذي يقطع الكهرباء والماء هل هو الله ومن الذي يأخذ الربا في البنوك هل هو الله ومن الذي يأخذ الرشوة من الناس ويعقد تمشية معاملات الناس هل هو الله وهل الدساتير والقوانين الجائرة في بلاد المسلمين من الله ما لكم كيف تحكمون، بل كيف تنظرون والاستغلال السياسي في الانتخابات القائمة في العالم الإسلامي وبعضهم يقول اللهم ولي علينا خيارنا ولا تولي علينا شرارنا متناسين أن النظام الديمقراطي لا يأتي بخير لكونه من وضع البشر العاجز الناقص المحدود. إن هذا المفهوم عن التغيير يعتبر من أخطر المفاهيم في حياة المسلمين لما له من انعكاسات سلبية على الوضع السياسي والقائم في بلاد المسلمين وكان أحد أهم الأسباب في تأخر نهضة الأمة وأبعد كثيرا من المسلمين عن تغيير نمط الحياة السياسية ومكن الاستعمار والاحتلال من رقاب المسلمين وبلادهم والذي جعل كثيرا من المسلمين يسيرون وفق أجندة واستراتيجيات ويلعبون الأدوار والسيناريوهات التي ترسم وتحاك من قبل الاستعمار والاحتلال الكافر والحاقد فأمعنوا في قتلنا وجعلونا كما يقول المثل (طشاش مالو والي ). إن كثيرا من المفاهيم الخاطئة والشائعة عند المسلمين جعلت حياتهم عيشاً جحيماً ذليلاً.
فنقول وبالله التوفيق وله المنة والفضل على نعمة الإسلام:
إنّ الله الخالق القادر قد أودع في الإنسان القدرة والإرادة والطاقة الحيوية القادرة على تغيير ما يتطلب تغييره شرعاً ووفق الأحكام الشرعية والتي أوضحت وضوح الشمس أن واقع الإنسان في حياته ونمطها هي بيد الإنسان وهو حر في اختيارها منفصلة كل الانفصال عن القدرة والإرادة الإلهية وأنها لا تعيق تقدما نحو نهضة صحيحة وعودة إلى أحضان الإسلام ونظامه، فها هو العالم مفتوح أمامنا نشاهد انقلاباته وثوراته القائمة من قبل الشعوب في العالم، ألا ترى أن كل متغيرات التاريخ السياسية والأنظمة قامت وسقطت كان مصدرها التحرك البشري الجاد والمضحي من أجل تغيير أو تبديل أو إصلاح القوانين والدساتير الجائرة، نعم إنها القدرة والإرادة والعزيمة الجادة الكامنة التي دفعت الإنسانية في تغير الحياة غريزيا كان أم فكريا، يقول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) أي أنكم أيها الناس المخاطبون السامعون العاقلون قوموا بالأعمال والأقوال التي من شأنها أن تغير حالكم وفق الحكم الشرعي وطريقته والتي ستؤثر ايجابيا في شؤون حياتكم، وكذلك يقول (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ويقول جل في علاه (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) ويقول (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً ) فهذه الآيات الكريمة والعظيمة والتي تحمل في طياتها متطلب أن نقوم بالأعمال، ولو كان الأمر في حال التغيير متعلقا بالغيب أو الكتابة في اللوح المحفوظ أو القدر إذا ما قيمة ما طلب فيها، بل واقعها يقول ( اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ) وقال رسول الله : ( إذا ذكر القدر فأمسكوا ) وقال أيضا (بادروا بالأعمال ) وقال ( ألا لا يمنعن رجلا أن يقول بالحق ) وقال صحابته رضوان الله عليهم ” بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا…… وأن نقول بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم “.
وأخيرا نقول إنّ الإرادة والقدرة الإلهية قد طلب منا الإيمان فيها، وأن التغيير المطلوب متعلق بالأعمال والله الموفق. (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ).
أبو مصطفى