Take a fresh look at your lifestyle.

من إرث مفكرينا وعلمائنا حملة الدعوة- التلويث الفكري والإعلامي في العالم الإسلامي- ح13-

كيف ساعدت الصحافة في استعمار العالم الإسلامي ج1

مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نكون معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة فيما بينه لنا الدكتور عايد الشعراوي يرحمه الله كيف ساعدت الصحافة في استعمار العالم الإسلامي.

من المعروف أن أكثر وسائل الإعلام انتشاراً في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين هي الصحف والمجلات، وذلك لأن أجهزة الراديو والتلفزيون والسينما الناطقة لم تكن قد انتشرت في الشرق وإن كانت قد انتشرت في الغرب فإنها تأخرت في وصولها إلى العالم الإسلامي وكان لعدم وصول الكهرباء لكثير من مدن وقرى العالم الإسلامي معوق آخر من المعوقات التي أخرت بروز الراديو والتلفزيون بشكل مؤثر في أوائل القرن العشرين، لذلك فإن العصر الذهبي للصحف والمجلات كان قبل انتشار استعمال الراديو والتلفزيون وهذا ما حصل في كل من لبنان ومصر خلال تلك الحقبة من الزمن.

ويبدو أن أحفاد الصليبيين قد تعلموا درساً من هزيمتهم وانكفائهم عسكرياً، فجربوا العودة بطرق وأساليب اكثر خبثاً وتأثيراً، فعندما هُزموا على يد صلاح الدين الأيوبي فإنهم تعلموا من تلك الهزيمة عدة أمور منها: أن شرارة المعارك الحاسمة مع الصليبين قد انطلقت من مصر وأن ضم قوة أهل بلاد الشام إلى القوة القادمة من مصر كانت كفيلة باستئصالهم والقضاء عليهم. ومنها أيضاً أن التزام صلاح الدين بالإسلام والعمل على أساس أوامر الله ونواهيه مع تعبئة جيشه والمناطق التي ضمها إلى سيطرته تعبئة إسلامية كان له الأثر الأكبر في كسب المعركة وتحقيق النصر. ومنها أيضا أن الانقسام والتمزق والحرب البينية التي كانت قائمة بين الممالك والإمارات الحاكمة في بلاد الشام والعراق ومصر هي السبب الرئيسي في إطالة مدة بقاء المملكة الصليبية في الساحل الشامي، حتى أن التناحر وصل إلى حد استعانة فريق من المسلمين بالصليبيين ضد فريق آخر من بني دينه وذلك طمعاً في السلطة وتشبثاً بالأطماع الدنيوية الزائلة. ومن الدروس التي تعلموها أيضاً أن وجود نصارى الشرق في الساحل الشامي والمصري هو مفتاح يمكن استعماله دون حصول ردات فعل من قبل المسلمين لذلك عادوا للتركيز على المدن الساحلية التي يقطنها هؤلاء، وذلك كمقدمة لتغلغلهم في المدن الداخلية وحتى يصلوا إلى قلب الصحراء.

لقد كانت بداية عودة أحفاد الصليبيين المقنعة تسلك طرقاً ملتوية حتى لا ينكشف أمرهم فإضافة إلى الاستشراق والتبشير وإنشاء المدارس والجامعات والإرساليات استعملت الصحافة كوسيلة لتمهيد الطريق لإسقاط الدولة الإسلامية واستيلاء الدول الطامعة على بقاع عديدة من العالم الإسلامي، وقد بدأت محاولة ركوب موجة الصحافة تشق طريقها بهدوء وبدون لفت الأنظار في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومنذ العام 1866م بالتحديد، وقامت الدول المستعمرة بالترويج لها وتمويلها وإضفاء هالة من القداسة عليها بحيث أطلقت عليها مسميات مثل (صاحبة الجلالة) ومثل (السلطة الرابعة) واعتبرتها مكملة للنظام الرأسمالي وعاملاً مساعداً على كثيف فساد الحكام وسيفاً مسلطاً على رقاب المسؤولين، وحاولت إقناع أبناء الأمة الإسلامية ممن تعلموا في معاهدها التي أقامتها في البلاد الإسلامية بخطورة الدور الذي تقوم به الصحافة وخصوصاً دورها في الشكوى من الأوضاع السياسية القائمة مع الإيحاء لهم بأنهم يعيشون في ظل أوضاع يجب التمرد عليها، وبداية ذلك تغيير مفاهيم الناس وقناعاتهم عن طريق استعمال الصحف والمجلات وتوسيع انتشارها، وذلك لتكوين رأي عام ضاغط يتولى قلب الأوضاع رأساً على عقب، دون أن يحدث هذا الأسلوب ردة فعل معارضة من قبل الدولة الإسلامية أو رعاياها المسلمين.

وكانت الخطوة الأولى التي بدأها الغرب الصليبي هي قيامهم بتعليم وتثقيف نصارى لبنان وتحميلهم الفكر الرأسمالي بكلياته وجزئياته بحيث تحولوا إلى رواد لهذا الفكر في الشرق وحملة نشطين له، وتم لهم ما أرادوا عن طريق المدارس والمعاهد التي كانت تشرف عليها تلك الدول وتضع برامجها التثقيفية متسترة بالمبشرين وبالإرساليات الكنسية، وحينما تربت مجموعات منهم في ظل تلك الأفكار وترعرعت أحاطتها الدول المتربصة بهالة من التفخيم والإكبار حتى تصبح قدوة لغيرها من أبناء المسلمين، بل حصل ما هو أبعد من ذلك حينما عين هؤلاء الذين نضجوا بالفكر الغربي أساتذة ومدراء ومؤلفين ومنادين (بالإصلاح) على طريقتهم، ومنادين بالتخلص من العثمانيين بحجة أنهم أتراك ومستعمرون وظالمون ومانعون للعلم والتعليم، ومنادين بالقومية العربية وبالوطنيات وبالديمقراطية والحريات وتحرير المرأة، ومنادين بإبعاد الدين عن الحياة بحجة أن التمسك به هو سبب جهل وتأخر المسلمين إلى آخر الشريط من الاتهامات الباطلة والتضليل الفاضح، هذه الإرهاصات الفكرية الرأسمالية سبقت سقوط دولة الخلافة بحوالي نصف قرن واستمرت عقب سقوطها إمعاناً في التغشية والانحراف عن النهج القويم.

والذي يراقب دور الصحافة في هذا المجال يجد أن الوسيلة التي استعملت للترويج للفكر الغربي وصبغ المجتمع المسلم به هي الصحافة، لأنها كانت أداة الاتصال الوحيدة بالجمهور الذي يتقن القراءة في تلك الأيام، وبما أن الغرب يدرك ما لمصر من ثقل وتأثير في العالم الإسلامي، خاصة وأنهم لمسوا ذلك في الحروب الصليبية، فقد بقيت مصر محط أنظارهم وأطماعهم وليس كل ذلك التركيز على مصر مرده إلى أسباب اقتصادية أو تحكمها في طريق الهند كما يحلو للمؤرخين القول، ولكن السبب يكمن في أمور أخرى تجاهلها المؤرخون منها أن مصر هي مفتاح العالم الإسلامي ومن فاز بها فقد فاز ببقاع كثيرة من العالم الإسلامي وتركيز الحملات الفرنسية والبريطانية عليها يعتبر مؤشراً على ذلك.

نكتفي بهذا القدر مستمعينا الكرام في هذه الحلقة على أن نكون معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله مع الهجمة الشرسة على الصحافة في تركيا ومصر ودور الصحافة في لبنان، إلى ذلك الحين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.