بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الحادية والسبعون
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “أحاسنكم أخلاقا” وقد سبق الحديث عن ثمانية من الأخلاق الحسنة:
تاسعا: الغضب لله: روى البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “كساني النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي”. والسيراء الحرير الصافي وهو محرم على الرجال؛ لذا غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى عليا رضي الله عنه يلبسها. وروى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن عمر رأى حلة سيراء تباع فقال يا رسول الله لو ابتعتها تلبسها للوفد إذا أتوك والجمعة قال: “إنما يلبس هذه من لا خلاق له”. وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد ذلك إلى عمر حلة سيراء حرير كساها إياه فقال عمر: كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها ما قلت؟ فقال إنما بعثت إليك لتبيعها، أو تكسوها. وفي رواية أخرى لمسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله, لو اشتريتها فلبستها يوم الجمعة وللوفد قال: “إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة”. ثم جاءت حلل فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر منها حلة, وقال: أكسوتنيها وقلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال: “إني لم أكسكها لتلبسها”. فكسا عمر أخا له بمكة مشركا. وعن أبى مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال: “جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا. فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ! فقال: “يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليوجز فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة”. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيها تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وتلون وجهه, وقال: “يا عائشة، أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله”. قالت فجعلناه وسادة، أو وسادتين. متفق عليه. والسهوة: تشبه الرف أو الخزانة الصغيرة يوضع فيها الشيء, والقرام: الستر من صوف ذي ألوان.
عاشرا: ظن الخير بالمؤمنين: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم}. (الحجرات12) وقال تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا}. (النور12) وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، فقال: “ما أعظمك! وما أعظم حرمتك! وللمؤمن أعظم حرمة منك، إن الله حرم منك واحدة, وحرم من المؤمن ثلاثا: حرم الله ماله، وحرم دمه، وحرم عرضه وأذاه، وأن يظن به ظن سوء”.
حادي عشر: حسن الجوار: قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم}. (النساء36) وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” متفق عليه. وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره …” وفي رواية البخاري “فليكرم جاره” متفق عليه. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو لأخيه ما يحب لنفسه” رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره” رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم, وأحمد والدارمي. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء …” الحديث. رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد بإسناد صحيح. وعن نافع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سعادة المرء الجار الصالح والمركب الهنيء والمسكن الواسع” رواه أحمد وقال المنذري والهيثمي رجاله رجال الصحيح. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر، إذا طبخت مرقا فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك” رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة”. متفق عليه. ومعنى الفرسن: الفرسن للشاة كالحافر للفرس. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين, فإلى أيهما أهدي قال: “إلى أقربهما منك بابا” رواه البخاري.
فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق, ولله در الناظم حيث قال:
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما
دم طـيبا زد في تـقى ضع ظـالما
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي