تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة السابعة والسبعون
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “أحاسنكم أخلاقا” وقد سبق الحديث عن سبعة عشر من الأخلاق الحسنة:
ثامن عشر: الطاعة: الطاعة نوعان: طاعة مطلقة غير مقيدة بقيد، وهي طاعة الله ورسوله، وطاعة مقيدة بالمعروف، فإذا أمر آمر بمعصية فلا طاعة، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, وهي طاعة الوالدين والزوج والأمير. وهذه الطاعات لله ولرسوله وللأمير وللوالدين وللزوج, كلها واجبة وأدلتها معروفة.
أما طاعة الله: فلقوله تعالى: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} (آل عمران132) ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الدارقطني في سننه عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب الناس على ناقته الجدعاء في حجة الوداع فتطاول في غرز الرحل فقال: “ألا تسمعون؟ قال رجل من آخر القوم: ما تقول؟- أو ما تريد؟ – فقال: “أطيعوا ربكم, وصلوا خمسكم, وأدوا زكاة أموالكم, وصوموا شهركم, وأطيعوا ذا أمركم, تدخلوا جنة ربكم”.
وأما طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم: فلقوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول}. (المائدة 92) ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى قال من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى”. وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس، رضي الله عنهما أن آية {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}. (النساء 59) قال: “نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية”. وأما طاعة الأمير: فلقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. (النساء59) ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبا هريرة، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني”.
وأما طاعة الوالدين: فلقوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما}. (الإسراء 23) ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الطبراني في المعجم الأوسط عن معاذ بن جبل قال: “أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله علمني عملا إذا أنا عملته دخلت الجنة قال: “لا تشرك بالله شيئا, وإن عذبت وحرقت أطع والديك وإن أخرجاك من مالك ومن كل شيء هو لك …”. وأما طاعة الزوج: فلقوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}. ولقوله تعالى: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا}.
جاء في تفسير الإمام الطبري: القول في تأويل قوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: ولهن من حسن الصحبة، والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن لهم من الطاعة فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها. وعن الضحاك، في قوله: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} قال: إذا أطعن الله، وأطعن أزواجهن، فعليه أن يحسن صحبتها، ويكف عنها أذاه، وينفق عليها من سعته. وقال ابن زيد في قوله: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} قال: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم. وقال آخرون: معنى ذلك: ولهن على أزواجهن من التصنع، والمؤاتاة مثل الذي عليهن لهم في ذلك.
ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن قيس بن سعد قال: “أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم, فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له, قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم, فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك. قال: “أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟”. قال: قلت: لا. قال: “فلا تفعلوا, لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق”. والمرزبان: هو الفارس الشجاع المقدم على القوم دون الملك, وهي كلمة معربة.
فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق, ولله در الناظم حيث قال:
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما
دم طـيبا زد في تـقى ضع ظـالما
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد أحمد النادي