Take a fresh look at your lifestyle.

حكومة تناقض نفسها تنفيذا لسياسات صندوق النقد الدولي

 

 

حكومة تناقض نفسها تنفيذا لسياسات صندوق النقد الدولي

 

أكد وزير المالية إبراهيم البدوي، في مؤتمر صحفي عدم مقدرة الموازنة العامة الجارية على زيادة الحد الأدنى للأجور المقررة 8 آلاف جنيه، وبرر تلك الخطوة بأنها ستساهم في إحداث انفجار في الموازنة. يأتي هذا الإعلان عقب إعلان مجلس الوزراء إجازة زيادة الأجور للعاملين في الدولة بنسبة 100% بموازنة العام 2020 من 425 جنيهاً حالياً إلى ألف جنيه، وكان الاتحاد العام لعمال السودان قد دفع بتصور للجنة وضع الموازنة حدد فيه الحد الأدنى للأجور والمقدر 8778 جنيهاً بما يعادل 67,3% من مستوى المعيشة بناء على دراسة حددها الجهاز المركزي للإحصاء للحد الأدنى للأجور 2926 جنيهاً.

 

وتعاني البلاد من أزمات اقتصادية متجددة، ونقص في وفرة العديد من السلع الرئيسية كالخبز والوقود وغاز الطهي، مع ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه والذي تخطى عتبة الــ100جنيه.

 

في هذه الأوضاع فإن زيادة الأجور لا تجدي نفعا، لأن الأموال المتاحة للإنفاق (السيولة) تزيد في الأسواق، مما ينعكس على معدلات الطلب، ويدفع الأسعار نحو الارتفاع لأن الأموال الإضافية المتاحة للإنفاق إذا لم يقابلها على مستوى الاقتصاد مستويات مرتفعة من الاستثمار والإنتاج فإنها حتماً تؤدي إلى ارتفاع في الأسعار، والزيادة سيبتلعها السوق، وهذا يقود للمربع الأول! ولو افترضنا أن الزيادة في الأجور نفذت على القطاع العام، وجزء من القطاع الخاص، فماذا عن بقية القطاعات من الشعب من أين لهم زيادة دخولهم؟

 

يعاني أهل السودان عموما من تراجع ملموس في مستوى المعيشة، بعد موجة عاصفة من انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع والخدمات بمعدلات كبيرة وبشكل متزامن، وترتبط هذه المعاناة بتطبيق برنامج “إصلاح اقتصادي”، يستهدف إخراج الاقتصاد من أزمته كما أعلن عبر حزمة من السياسات التقشفية التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي. ورغم أن الناس الذين تطبق عليهم السياسات وتُستخدم مواردهم في المشروعات، يفترض أن يكونوا على علم بالقرارات المصيرية التي ستؤثر على حياتهم، إلا أن الحكومة لم تناقش تفاصيل برنامج “الإصلاح الاقتصادي” قبل تطبيقه.

 

تتزامن هذه الأوضاع مع زيارة قام بها فريق من صندوق النقد الدولي يقوده دانييل كاندا إلى الخرطوم في الفترة من 4 إلى 17 كانون الأول/ديسمبر 2019م لعقد مناقشات في إطار مشاورات المادة الرابعة لعام 2019 مع السودان. وفي ختام الزيارة، أصدر كاندا بيانا قال فيه: (هناك حاجة لإجراء إصلاحات جريئة وشاملة حتى يستقر الاقتصاد ويقوى النمو في هذا البلد)، وقد ركزت المناقشات بين فريق الصندوق والسلطات السودانية على السياسات والإصلاحات اللازمة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي ودعم تحقيق نمو اقتصادي أقوى وأوسع نطاقا. (ويتطلب هذا تحرير سعر الصرف، وتعبئة الإيرادات، والإلغاء التدريجي لدعم الوقود). وتباكيا على ما سيحدث ويثقل كاهل أهل البلد زاد كاندا: (سيكون توسيع شبكة الأمان الاجتماعي، وتركيز مساعداتها في البداية عاملا أساسيا للمساعدة على تخفيف وطأة الإصلاحات التي قد تكون صعبة على شرائح المجتمع الضعيفة).

 

لكن فرية الرأسمالية تطيح بآمال وطموحات زيادة الأجور وأمان المجتمع؛ لأن المصلحة والمنفعة مقدمتان على كل شيء، ولا مكان للقيم الإنسانية في الرأسمالية التي تقوم على المنفعة والمادة وتجعلها مقياس الأعمال في الحياة، ولا تقيم وزناً لباقي القيم والمثل، ولا تراعي أي اهتمام للإنسان وشخصيته وحقوقه.

 

يعد صندوق النقد الدولي وجه الاستعمار الجديد، بإصلاحاته الاقتصادية غير المصلحة وبشروطه القاهرة، ووصفاته المميتة، التي يفرضونها على الدول ويعدلون في سياسات الحكومات، ويبدلون في النظم الاقتصادية والمعايير التجارية، ويفرضون أشكال الحياة ومظاهر العيش التي تلبي مصالحهم عبر قروضهم الربوية، فوزير المالية هو عميل صندوق النقد الدولي وهو يعلم أن هذا الصندوق ما هو إلا عدو متسلط على الفقراء والمعدمين، ومحارب لهم في خبزهم وقوتهم اليومي، إنه صاحب وصفات العلاج التقشفية في عهد النظام البائد، وهو من أوصل الاقتصاد في السودان إلى هذه الحال، عينها الروشتات نفسها؛ رفع الدعم عن السلع الأساسية، وتخفيض قيمة العملة، وتحرير أسعار الصرف، والتخلي عن الفئات الفقيرة، والطبقات المجتمعية البسيطة، وإعلان الحرب على الشركات العامة وخصخصتها، وحرمان الناس من خدمات الدولة الأساسية وبيعها للرأسمالية الخاصة المتوحشة. ورغم معرفة الوزير وحكومته بعدم جدوى هذه السياسات الطاحنة للناس، إلا أننا نراهم يتسابقون ويهرولون ويعلنون عن القروض التي سيتلقونها نحوه لمزيدٍ من الديون والقيود، ويتوهم دفع البلاد نحو التطور والنماء والتقدم والرخاء، وكأنهم لم يأخذوا الدروس والعبر من الأنظمة السابقة، ولم يتعلموا من الدروس القاسية التي أطاحت بحكومات في هذا البلد خضعت للروشتة نفسها، الذين ارتهنوا للصندوق وباعوا البلاد والعباد، وأغرقوا بلادهم، وفرطوا في خيرات شعوبهم، ودمروا مستقبل أجيالهم.

 

يعلم وزير المالية أن الدول التي خضعت لوصفات صندوق النقد الدولي وطبقت شروطه، ازدادت مديونيتها وتضخمت أزماتها، وتضاعفت مشاكلها، وزادت نسبة بطالتها، وانخفضت قيمة عملتها، وتراجع مستوى دخل أفرادها، واتسعت الهوة بين أهلها، وخلقت طبقة صغيرة غنية فاحشة الثراء، وأخرى كبيرة فقيرة محرومة من كل شيء. كثيرةٌ هي الدول التي خضعت لصندوق النقد الدولي، وقبلت بوصفته، واستسلمت لخبرائه، وغيرت هياكلها الاقتصادية وقوانينها الاستثمارية، ووافقت على رفع سعر رغيف الخبز والمحروقات، وخفضت قيمة عملتها الوطنية، وتلقت مساعدات مادية، وحصلت على ديونٍ ماليةٍ بنسب ربوية مختلفة، ونفذت التعليمات وأخذت بالتوصيات، واضطرت إلى مواجهة شعوبها، وقمع أبنائها، والتصدي للمعارضين والمتظاهرين، ورغم ذلك فقد انهارت هذه الدول أكثر، وضعف اقتصادها، وتراجع مدخولها، وبقيت تعاني مما كانت تعاني منه من قبل من وصفات صندوق النقد الدولي، بل أكثر.

 

إن الاقتصاد لا يعالج بالاقتراض من هذه المنظمة الدولية أو تلك، وإنما بتنفيذ مشروع مبدئي نابع من عقيدة الأمة ومنبثق من كتاب ربها وسنة رسولها e، لا من نظريات المبدأ الرأسمالي ونهج الكفار في الحياة، لأن المشكلة تكمن في طبيعة الفكر الرأسمالي وقيمه من جهة وفي هيمنة الدول الرأسمالية على العالم من جهة أخرى، وهنا يكمن العلاج، أي بإيجاد بديل حضاري جديد، تعلو فيه القيم الروحية والمعنوية والأخلاقية والإنسانية، على القيم المادية، والإسلام بدولته هو الذي سيعمر الأرض، ويرفع الظلم، وتسعد تحت ظله البشرية جمعاء.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – الخرطوم

 

 

2020_02_13_Art_A_government_that_contradicts_itself_to_implement_the_policies_of_the_IMF_AR_OK.pdf