Take a fresh look at your lifestyle.

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية” الحلقة الثالثة والثمانون

 

تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة الثالثة والثمانون

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المسلمون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: ومن الأخلاق الذميمة الفحش وبذاءة اللسان. وفي موضوع الفحش وبذاءة اللسان, تحضرني قصة أبي ذر الغفاري مع بلال رضي الله تعالى عنهما: اجتمع الصحابة ذات يوم في مجلس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا معهم, فجلس خالد بن الوليد رضي الله عنه, وجلس حوله عدد من الصحابة يتشاورون في أمر يهم الجيش, منهم عبد الرحمن بن عوف, وبلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأبو ذر الغفاري رضي الله عنهم أجمعين, وكان أبو ذر رضي الله عنه فيه حدة وحرارة, فتكلموا, وتكلم أبو ذر رضي الله عنه كلمة عرض فيها اقتراحه, فخطأ بلال رضي الله عنه اقتراح أبي ذر, فقال أبو ذر رضي الله عنه: يا ابن السوداء! فقام بلال مغضبا أسفا وقال: والله لأشكونك لرسول الله صلى الله عليه وسلم! واندفع ماضيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأخبره بما قال أبو ذر, فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم. روى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي أمامة قال: عير أبو ذر بلالا بأمه، فقال: يا ابن السوداء، وإن بلالا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره فغضب، فجاء أبو ذر ولم يشعر، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أعرضك عني إلا شيء بلغك يا رسول الله، قال: “أنت الذي تعير بلالا بأمه؟”. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “والذي أنزل الكتاب على محمد – أو ما شاء الله أن يحلف – ما لأحد علي فضل إلا بعمل، إن أنتم إلا كطف الصاع”.

وروى البزار عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمه أعجمية فعيرت بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية تعير إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسوه، ولا تكلفوهم أحسبه قال ما لا يطيقون، فإن كلفتموهم فأعينوهم”. فبكى أبو ذر رضي الله عنه وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس أمامه وقال: يا رسول الله, ادع الله أن يغفر لي! ثم خرج من المسجد باكيا, وأقبل بلال ماشيا, فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال, ووضع خده على التراب وقال: لا أرفع خدي عن التراب حتى تطأه يا بلال برجلك! أنت الكريم, وأنا المهان! فأخذ بلال يبكي وقال: لا أطأ خدا سجد لله تعالى! واقترب وقبّل ذلك الخد ثم قاما وتعانقا وتباكيا. وروى البخاري في صحيحه عن المعرور قال: “لقيت أبا ذر بالربذة، وعليه حلة، وعلى غلامه حلة, فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية إخوانكم خولكم, جعلهم الله تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحت يده, فليطعمه مما يأكل, وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم”. وأورد الطحاوي في شرح مشكل الآثار رواية شبيهة بتلك الرواية عن أبي سالم الجيشاني قال: توفي أخ لأبي الدرداء من أبيه وترك أخا من أمه, فنكح امرأته, فغضب أبو الدرداء حين سمع ذلك, فأقبل إليها فوقف عليها فقال: “أنكحت ابن الأمة؟” فردد ذلك عليها, فقالت: “أصلحك الله, إنه كان أخا زوجي, وكان أحق بي, يضمني وولده” فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأقبل إليه حتى وقفه ثم ضرب على منكبه فقال: “يا أبا الدرداء, يا ابن ماء السماء طف الصاع! طف الصاع! طف الصاع!”.

رابعا: ومن الأخلاق الذميمة الثرثرة: أي كثرة الكلام تكلفا. عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال”. متفق عليه. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون”. رواه الترمذي وحسنه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب” متفق عليه.

خامسا: ومن الأخلاق الذميمة احتقار المسلم أو المسلمين: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا, ولا يبع بعضكم على بيع بعض, وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ها هنا”. ويشير إلى صدره ثلاث مرات “بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”. رواه مسلم.

فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي