تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة السابعة والثمانون
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:
ثامن عشر: ومن الأخلاق الذميمة تزكية النفس إعجابا بها: قال تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}. (النجم32). وعن محمد بن عمرو بن عطاء قال: “سميت ابنتي برة فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم وسميت برة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم”. فقالوا: بم نسميها؟ قال: سموها زينب”. رواه مسلم والتزكية المذمومة هي التي تكون لغير حاجة مشروعة، بل يقصد منها الفخر الناتج عن الإعجاب بالنفس، أما ما يكون منها لحاجة مشروعة، أي أقرها الشرع، فهي جائزة ومنها:
أولا: أن تكون من نبي أمر بتبليغها والتحدث بها؛ لأنها مما يقتضيه مقام النبوة في الدنيا أو الآخرة، كحديث أنس رضي الله عنه عند البخاري قال: “جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”. وكحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه ولفظه: “أنا سيد القوم يوم القيامة”. وفي رواية عند مسلم: “أنا سيد الناس يوم القيامة، أنا سيد الناس يوم القيامة”. وحديث أبي سعيد عند الترمذي وقال: وهذا حديث حسن صحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر”. وحديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع”. وكالحديث الذي رواه البيهقي في شعب الإيمان عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل اصطفى كنانة من ولد إسماعيل, واصطفى قريشا من كنانة, واصطفى من قريش بني هاشم, واصطفاني من بني هاشم”. أخرجه مسلم في الصحيح من حديث الأوزاعي. وعن ابن عمررضي الله عنه قال: إنا لقعود بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث إلى أن قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى خلق السماوات سبعا، واختار العلى منها فأسكنها من شاء من خلقه، ثم خلق الخلق فاختار من خلقه بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم”.
ثانيا: أن تكون من عالم يريد بها ترغيب الناس في الأخذ عنه؛ لأن عنده علما يرى أن الناس محتاجون إليه، لا إعجابا بنفسه، ولا تفاخرا على غيره، كما في حديث ابن مسعود المتفق عليه قال: “ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أن أحدا أعلم به مني لرحلت إليه” زاد البخاري، بعد بكتاب الله، “وما أنا بخيرهم”. وقال النووي في شرح مسلم: إن الصحابة لم ينكروا قول ابن مسعود. وكما في حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: سمعت عليا رضي الله عنه قام فقال: “سلوني قبل أن تفقدوني، ولن تسألوا بعدي مثلي، فقام ابن الكواء، فقال: من الذين بدلوا نعمة الله كفرا، وأحلوا قومهم دار البوار؟ قال: منافقو قريش. قال فمن الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ قال منهم أهل حروراء.” أخرجه الحاكم. وقال: هذا حديث صحيح عال, ولم يخرجاه. وحديث علي هذا كان على مسمع من الصحابة, فكان إجماعا.
ثالثا: أن يدفع عن نفسه شرا كما في حديث أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب بن ربيعة عند البخاري، وهو من كبار التابعين “أن عثمان رضي الله عنه حين حوصر، أشرف عليهم، وقال: أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر رومة فله الجنة فحفرتها؟ ألستم تعلمون أنه قال من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزتهم: قال فصدقوه بما قال”. وكلام عثمان هذا كان على مسمع من الصحابة وصدقوه, ولم يعدوه تزكية مذمومة فكان إجماعا.
رابعا: أن يدفع عن نفسه فرية أو شكوى. كما في حديث سعد رضي الله عنه المتفق عليه عن قيس قال: سمعت سعدا، رضي الله عنه يقول: “إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله! وكنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر, حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير، أو الشاة ما له خلط, ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام؟ لقد خبت إذا وضل عملي! وكانوا وشوا به إلى عمر قالوا: لا يحسن يصلي”.
فإذا التزم المسلم بالأخلاق الفاضلة, باعتبارها أحكاما شرعية واجبة الاتباع طاعة لله: امتثالا لأوامره, واجتنابا لنواهيه, فإنه يسمو ويرقى في المرتقى السامي من علي إلى أعلى, ومن شاهق إلى شاهق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد أحمد النادي