بسم الله الرحمن الرحيم
تأملات في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”
الحلقة المائة واثنتان
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: “من مقومات النفسية الإسلامية”. ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: “أدب الحديث”. وهو ثلاثة أقسام: أدب التدريس, وأدب الخطبة, وأدب الجدل.
القسم الأول: أدب التدريس: فمن أدب التدريس:
ثالثا: بث الأمل دائما وعدم التقنيط والتيئيس لا من رحمة الله سبحانه ولا من نصره وفرجه. ويحسن هنا ذكر صور من تاريخ المسلمين، كنصرهم في بدر، والخندق، والقادسية، ونهاوند، واليرموك، وأجنادين، وتستر، والفتوح التي يصعب إحصاؤها، ويركز على الغزوات التي كان المسلمون فيها أقل من عدوهم عددا وعدة، حتى إن الله لينصر بالرجل الواحد، يبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وحده. ويعاد تركيز مفهوم الجهاد وجلائه في أذهان المسلمين، ويعفو منها أي أثر لران السلام، والمفاوضات، والشجب، والاستنكار، والاحتكام للطاغوت، والرضا بالغثائية.
وقبل كل هذا يجب تركيز العقيدة في النفوس، وأنها أساس الأحكام، وكيف أن العقيدة صنعت من العرب الذين كانوا في الجاهلية لا هم لهم إلا صراعاتهم القبلية ومصالحهم الآنية وسفاسف الأمور، صنعت منهم أمة قوية عزيزة بعز الدين والآخرة، خير أمة أخرجت للناس، تقود العالم إلى الخير، وتنقذهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.
رابعا: إحسان اختيار مواضيع الدروس حسب الواقع الذي يعيشه الناس. وذلك لضمان حيوية الدرس، فإن رأى أن الناس بحاجة إلى تركيز عقيدة ما فعل، وإن رآهم مضللين بوضع أو بموقف سياسي معين جلاه، وإن رأى أن هناك تركيزا لفكر أو حكم خاطئ أو مضلل شرحه وبين الرأي الصواب، أو كما قال الشيخ تقي الدين النبهاني -رحمه الله- يضع الخط المستقيم بجانب الخط الأعوج.
ومن التضليل بل ومن السماجة أن يكون موضوع الدرس الخلع، في الوقت الذي تخلع أمريكا فيه بغداد، أو أن يكون الموضوع قيادة المرأة للسيارة، والأقصى أسير، أو دخول المرأة البرلمان، والجيش الأمريكي يتسفع على شواطئ ذلك الثغر المحتل، أو حكم الجلوس للتعزية، والبترول ينهب، أو أحكام الشعر -بفتح الشين- وحرمة المسجد الحرام تنتهك، وهكذا.
ومعنى “يتسفع” يمشي على أرض المسلمين متبخترا متكبرا دون رادع من أحد. جاء في المعجم الوسيط: سفع بعضو من أعضائه سفعا: قبض عليه وجذبه بشدة. يقال: سفع بناصيته, وفي التنزيل العزيز: {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية}.
خامسا: زجر الجاهل المخالف المستخف بالحكم الشرعي، والتماس العذر للفقيه ذي الرأي المخالف لرأي المدرس. من الأول ما رواه الحاكم وصححه عن عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف” أي رمي الحصى أو النواة في المجلس، تأخذها بين السبابتين وتقذفها أو بمخذفة أي بمقلاع تقذف بها، قال: فخذف رجل عنده فقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخذف! والله لا أكلمك أبدا!
ومن الثاني ما رواه أحمد عن عبد الله بن يسار بإسناد قال عنه الهيثمي: رجاله ثقات, أن عمرو بن حريث قال لعلي: وكيف تقول في المشي مع الجنازة: بين يديها أو خلفها؟ فقال علي رضي الله عنه: إن فضل المشي خلفها على بين يديها، كفضل صلاة المكتوبة في جماعة على صلاتها منفردة. قال عمرو: فإني رأيت أبا بكر وعمر يمشيان أمام الجنازة. قال علي: إنهما كرها أن يحرجا الناس. أي حتى لا يظن الناس أن السير أمامها لا يجوز.
سادسا: حسن الاستماع للسائل المؤدب. روى أبو نعيم في الحلية وابن حبان في روضة العقلاء قال: حدثني معاذ بن سعيد الأعور، قال: كنا عند عطاء بن أبي رباح, فحدث رجل بحديث فاعترضه رجل فغضب عطاء فقال: ما هذه الأخلاق؟ ما هذه الطباع؟ والله إن الرجل ليحدث بالحديث لأنا أعلم به منه, ولعسى أن يكون سمعه مني, فأنصت إليه وأريه كأني لم أسمعه قبل ذلك.
سابعا: عدم الحديث مع من لا ينصت. أخرج البخاري عن جرير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: “استنصت الناس”. أي اطلب منهم أن ينصتوا. وذكر الخطيب البغدادي في “الفقيه والمتفقه” أن أبا عمرو بن العلاء قال: “ليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك، أو تسأل من لا يجيبك أو تحدث من لا ينصت لك”.
ثامنا: اجتناب التفريع على القواعد التي تؤدي إلى التحلل من الأحكام الشرعية، كقاعدة: “الحاجة الخاصة تنزل منزلة الضرورة الخاصة”، وقاعدة التيسير إذا أطلقت ولم تقيد، ومن أمثلة ذلك أخذ القروض بالربا لشراء المساكن، وبيع لحم الخنزير في ملحمة يملكها نصراني، والخروج في جيش الكفار لقتال المسلمين، وخروج المسلمة دون خمار في بلد تستطيع الخروج منه إلى بلد لا فتنة فيه، والعمل قاضيا يحكم بغير ما أنزل الله، وأشباه هذا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد أحمد النادي