مع الحديث الشريف
البغاة
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روى مسلم في صحيحه قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ قَالَ الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ” “سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”
جاء في كتاب شرح النووي على مسلم:
قَوْله: (وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ)
مَعْنَاهُ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، وَقَالَ الْقَاضِي: جَوَاز التَّوْرِيَة وَالتَّعْرِيض فِي الْحَرْب، فَكَأَنَّهُ تَأَوَّلَ الْحَدِيث عَلَى هَذَا، وَقَوْله: (خُدْعَة) بِفَتْحِ الْخَاء وَإِسْكَان الدَّال عَلَى الْأَفْصَح، وَيُقَال بِضَمِّ الْخَاء، وَيُقَال: (خُدْعَة) بِضَمِّ الْخَاء وَفَتْح الدَّال، ثَلَاث لُغَات مَشْهُورَات.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحْدَاث الْأَسْنَان، سُفَهَاء الْأَحْلَام)
مَعْنَاهُ: صِغَار الْأَسْنَان صِغَار الْعُقُول.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَقُولُونَ مِنْ خَيْر قَوْل الْبَرِيَّة)
مَعْنَاهُ: فِي ظَاهِر الْأَمْر
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا)
هَذَا تَصْرِيحٌ بِوُجُوبِ قِتَال الْخَوَارِج وَالْبُغَاة، قَالَ الْقَاضِي: أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْخَوَارِج وَأَشْبَاهَهُمْ مِنْ أَهْل الْبِدَع وَالْبَغْي مَتَى خَرَجُوا عَلَى الْإِمَام وَخَالَفُوا رَأْي الْجَمَاعَة وَشَقُّوا الْعَصَا وَجَبَ قِتَالهمْ بَعْد إِنْذَارهمْ، وَالِاعْتِذَار إِلَيْهِمْ. قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} لَكِنْ لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحهمْ وَلَا يُتْبَعُ مُنْهَزِمُهُمْ، وَلَا يُقْتَل أَسِيرهُمْ، وَلَا تُبَاح أَمْوَالهمْ، وَمَا لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ الطَّاعَة وَيَنْتَصِبُوا لِلْحَرْبِ لَا يُقَاتَلُونَ، بَلْ يُوعَظُونَ وَيُسْتَتَابُونَ مِنْ بِدْعَتهمْ وَبَاطِلهمْ، وَهَذَا كُلّه مَا لَمْ يَكْفُرُوا بِبِدْعَتِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ بِدْعَة مِمَّا يَكْفُرُونَ بِهِ جَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَام الْمُرْتَدِّينَ، وَأَمَّا الْبُغَاة الَّذِينَ لَا يَكْفُرُونَ فَيَرِثُونَ وَيُورَثُونَ، وَدَمهمْ فِي حَال الْقِتَال هَدَر، وَكَذَا أَمْوَالهمْ الَّتِي تُتْلَف فِي الْقِتَال.
أحبتنا الكرام:
البغي أي (الخروج على الدولة) هو من الأعمال الهدامة التي على الدولة أن تتعامل معها بكل حزم، وهو على نوعين:
أ- القيام بأعمال الهدم والتخريب، كالإضرابات، أو احتلال المراكز الحيوية في الدولة والاعتصام فيها، مع الاعتداء على ممتلكات الأفراد أو الممتلكات العامة أو ممتلكات الدولة …. وهؤلاء تستخدم دائرة الأمن الداخلي الشرطة لإيقاف أعمالهم الهدامة … فإن لم تستطع إيقاف أعمالهم بالشرطة طلبت من الخليفة أن يمدها بقوات عسكرية حتى تستطيع أن توقف أعمال الهدم والتخريب التي يقوم بها هؤلاء البغاة الخارجين على الدولة
ب- الخروج على الدولة بالسلاح:
وذلك أن يحمل هؤلاء البغاة السلاح ويتحيزوا في مكان ويكونوا قوة لا تتمكن دائرة الأمن الداخلي بالشرطة وحدها من إرجاعهم والقضاء على تمردهم وخروجهم، فإنها في هذه الحالة تطلب من الخليفة أن يمدها بقوات عسكرية أو بقوة من الجيش حسب الحاجة لمواجهة هؤلاء الخارجين.
وقبل مقاتلة هؤلاء البغاة يجب مراعاة الآتي:
أن يسبق القتال مكاتبة هؤلاء البغاة ومعرفة ما عندهم، والطلب منهم أن يرجعوا إلى الطاعة والدخول في الجماعة والكف عن حمل السلاح
ــ فإن أجابوا وتابوا ورجعوا والتزموا بأحكام الشرع كفت عنهم ــ أما إن أصروا على الخروج والمقاتلة بعد كل ذلك فإنهم يقاتلون … لكن قتالهم يكون قتال تأديب لا قتال إفناء وتدمير حتى يرجعوا إلى الطاعة ويتركوا الخروج ويرموا السلاح، فهذا ما كان يفعله علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج، فقد كان يدعوهم أولاً فإن تركوا الخروج كف عنهم وإن أصروا على الخروج قاتلهم قتال تأديب حتى يرجعوا إلى الطاعة ويتركوا الخروج وحمل السلاح
نعم إخوتي الكرام: إن الإسلام لم يتهاون أبداً مع من يشق عصا الطاعة، أو يسعى لتفتيت الدولة، أو إحداث الفتنة بين أبناء الأمة، وكانت الشرطة هي الجهاز الساهر دوماً على توفير الاستقرار والأمن في الدولة، والمتأهب في كل وقت للتعامل مع كل ما يشكل خطراً على وحدة الأمة والدولة.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.