الدعاء يغير السنن الكونية
ستة مواضع يلفتُ الله عز وجل انتباهنا لها، لكي نأخذ العبرة، ونطمئن لقدرة الله وعظمته:
الموضع الأول: دعاء امرأة عمران لله أنها نذرت ما في بطنها لله، وطلبت من الله القبول، فكانت استجابة الله سبحانه لها تغيرا في نواميس الكون، حيث رزقها الله مريم وخلق منها عيسى عليه السلام بكلمة منه، خلقاً يخالف مجريات العادة والسنن الكونية، فكانت دعوتها لله سببا في ذلك، وجعلت من قصة عيسى عليه السلام قصة باقية إلى قيام الساعة، وفيها ابتلاء وامتحان لأقوام قادمة.
الموضع الثاني: دعاء زكريا عليه السلام لله عز وجل، فاستجاب الله له، وغير السنن والنواميس الكونية، وحملت زوجه وقد بلغه الكبر وفاتته القدرة على الإنجاب، وامرأته عاقر لا قدرة لها على الإنجاب. قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].
الموضع الثالث: دعاء نوحٍ عليه السلام لله عز وجل، أن لا يبقي على الأرض أحدا من الكافرين، فاستجاب الله له دعاءه وغير نواميس الكون، وأغرق الأرض كاملة. قال الله تعالى: ﴿وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنبياء: 76].
الموضع الرابع: دعاء يونس عليه السلام لله عز وجل، فاستجاب الله له وعطل نواميس الكون، فلم يهضم الحوت يونس وبقي جسده كما هو. وقال الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 88].
الموضع الخامس: دعاء أيوب عليه السلام فاستجاب الله له وأزال عنه المرض المعضِل وأعاد له زوجه فتية لتنجب له الأبناء، وقال الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 84].
الموضع السادس: دعاء إبراهيم عليه السلام أن يهبه الله تعالى ذرية طيبة، فوهب له على الكبر إسماعيل وإسحاق، قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم: 39].
فيا أيها المؤمنون ثقوا بالله وثقوا أن الله قادر، وأن دعاءكم لا يذهب سدىً، واعلموا أن الله يجيب دعاءكم وقد يغير السنن الكونية لأجل هذا الدعاء، لكن ليرى منكم الله صدق الدعاء وحسن الطلب وقوة الإيمان وثقة الاستجابة وحسن التوكل، واعلموا أن الله ينصر رسله والمؤمنين ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: 51].
دعوات المظلومين ما ذهبت سدى ولن تذهب، وكذلك دعوات الصالحين، وربنا عليم حكيم، وإن وعده حقٌ، والتمكين لدينه والاستخلاف لعباده الصالحين حاصل لا محالة، فاحرصوا أن يتنزل النصر عليكم أنتم، لا على غيركم، واحرصوا أن يكون التمكين على أيديكم، وليس على أيدي غيركم.
ولا يقولَنَّ قائل: لقد ذهب زمن المعجزات، وأنها رفعت بعد رسالة سيدنا محمد e خاتمة الرسالات، فنقول إنّ ربّ المعجزات موجود، وإنه إذا أراد أمراً هيأ له أسبابه، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، رأينا كيف نصر الفئة القليلة على الفئة الكثيرة في مواطن كثيرة، وعلمنا يقينا أنه يجعل للمتقي مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، وعلمنا يقيناً أن من توكل على الله كفاه، ورأينا قدرة الله سبحانه وتعالى في تحويل الهزيمة إلى نصر، وتحويل النصر إلى هزيمة، والأمثلة في التاريخ تفوق الحصر، فلا تبخلوا أيها المسلمون على أنفسكم بالدعاء مصاحباً للعمل الذي أُمرتم به، والله خير الناصرين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ أحمد العلي – ولاية الأردن
2020_04_03_Art_Supplication_changes_the_cosmic_Sunnah_AR_OK.pdf