إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي قوانين المنفعة في المبدأ الرأسمالي: شرح وتبسيط الشيخ فتحي سليم (ح13)
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
قوانين المنفعة في المبدأ الرأسمالي: شرح وتبسيط الشيخ فتحي سليم (ح13)
إعداد وتنسيق
الأستاذ محمد أحمد النادي
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي وَمَعَ الحَلْقَةِ العَاشِرَةِ نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (صَفْحَة 19) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَحَدِيثُنَا عَنْ قَوَانِينِ المَنفَعَةِ فِي المَبدَأ الرَّأسِمَالِيِّ. نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
قوانين المنفعة:
يَقُولُ عَالِمُنَا الجَلِيلُ الشَّيخُ فَتْحِي سَلِيمْ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فِي شَرْحِ وَتَبسِيطِ مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ في الإِسلامِ: لاستِخلاصِ القَوَانِينِ التِي تَحكُمُ المَنفَعَةَ عِندَهُم نَفتَرِضْ كَمِّيةً مَحدُودَةً مِنْ نَوعٍ وَاحِدٍ (الخُبز مَثلاً) وَنَفتَرِضُ أَنَّ هَذِهِ الكَمِّيةَ تَنقَسِمُ إِلَى وِحْدَاتٍ مُتَسَاوِيَةٍ تَمَامًا، وَأَنَّ هَذِهِ الوِحْدَاتِ تُستَخْدَمُ عَلَى التَّوَالِي فِي إِشبَاعِ الحَاجَةِ إلى (الطَّعَامِ مَثلاً) فَلِكُلِّ وِحْدَةٍ مِنَ الخُبزِ مَنفَعَةٌ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الوِحْدَاتِ المُتَسَاوِيَةَ حِينَمَا تُستَهلَكُ عَلَى التَّوَالِي لإِشبَاعِ الحَاجَةِ، لا تُحَقِّقُ لِلمُستَهلِكِ المَنفَعَةَ نَفْسَهَا (أي القَدْرَ نَفسَهُ مِنَ الإِشبَاعِ). وَلِتَوضِيحِ ذَلِكَ: نَفرِضُ أَنَّ شَخْصًا قَدِ استَهلَكَ خَمْسَ وِحْدَاتٍ مِنَ الخُبزِ عَلَى التَّوَالِي، فَتَكُونُ المَنَافِعُ التِي حَقَّقَهَا مِنْ هَذَا الاستِهلاكِ هِيَ مَثلاً: (ثَمَانٌ+ سَبعٌ+ سِتٌّ+ أربَعٌ+ وَاحِدَةٌ) وَمَجمُوعُ هَذِهِ المَنَافِعِ سِتٌّ وَعِشرُونَ مَنفَعَةً. وَنُلاحِظُ عَلَى ذَلِكَ مَا يَلي:
أولا: زِيَادَةَ المَنفَعَةِ الكُليَّةِ بِزِيَادَةِ الاستِهلاكِ، فَالمَنفَعَةُ الكُليَّةُ هِيَ مَجمُوعُ المَنَافِعِ التِي يَحصُلُ عَلَيهَا المُستَهلِكُ مِنْ جَمِيعِ الوِحْدَاتِ المُستَهلَكَةِ، فَهِيَ مَفعُولٌ طَردِيٌّ لِلاستِهلاكِ، تَنخَفِضُ بِانخِفَاضِهِ، وَتَرتَفِعُ بِارتِفَاعِهِ.
ثانيا: انخِفَاضَ المَنفَعَةِ الحَديَّةِ بِزِيَادَةِ الاستِهلاكِ، فَقَدْ لاحَظْنَا أنَّ المَنفَعَةَ الكُليَّةَ تَزدَادُ بِزِيَادَةِ الوِحْدَاتِ المُستَهلَكَةِ. وَنُلاحِظُ أَنَّ نِسبَةَ الزِّيَادَةِ فِي المَنفَعَةِ الكُليَّةِ يَأتِي نَتِيجَةً لاستِهلاكِ الوَحدَةِ الأَخِيرَةِ. بِعَكسِ ذَلِكَ نُلاحِظُ أَنَّ المَنفَعَةَ الحَديَّةَ تَمِيلُ إِلَى التَّنَاقُصِ مَعَ زِيَادَةِ الاستِهلاكِ، وَهَذِهِ الظَّاهِرَةُ تُعرَفُ (بِقَانُونِ تَنَاقُصِ المَنفَعَةِ الحديَّةِ) فَقَانُونُ تَنَاقُصِ المَنفَعَةِ مَعَ زِيَادَةِ الاستِهلاكِ يَنطَبِقُ بَدَاهَةً عَلَى المَنفَعَةِ الحديَّةِ لا الكُليَّةِ. وَهُوَ يَنطَبِقُ عَلَى مَنفَعَةِ المَالِ بِالنِّسبَةِ لِلمُستَهلِكِ، دُونَ أنْ يَنطَبِقَ عَلَى مَنفَعَةِ المَالِ فِي ذَاتِهِ، فَظَاهِرَةُ تَنَاقُصِ المَنفَعَةِ الحديَّةِ لا تَعُودُ إِلَى ذَاتِ المَالِ، لأَنَّ طَبِيعَةَ الأَشيَاءِ تَقضِي أَنْ تَكُونَ المَنفَعَةُ الذَّاتِيَّةِ لِلوِحْدَاتِ المُتَشَابِهَةِ مُتَسَاوِيَةً، وَإِنَّمَا تَعُودُ إِلَى ذَاتِ المُستَهلِكِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ أحبتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِقَوَانِينِ المَنفَعَةِ الكُليَّةِ وَالحَديَّةِ:
- ارتفاع المنفعة الكلية:
تَرتَفِعُ المَنفَعَةُ الكُلِّيةُ بِزِيَادَةِ الاستِهلاكِ, فَالمَنفَعَةُ الكُلِّيةُ تَتَنَاسَبُ طَردِيًا مَعَ الاستِهلاكِ.
- انخفاض المنفعة الحدية:
تَنخَفِضُ المَنفَعَةُ الحَديَّةُ بِزِيَادَةِ الاستِهلاكِ, فَالمَنفَعَةُ الحَديَّةُ تَتَنَاسَبُ عَكْسِيًا مَعَ الاستِهلاكِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.