مع الحديث الشريف
باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في صحيح الإمام مسلم في شرح النووي “بتصرف” في “باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها”
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ أُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا”.
أحبتنا الكرام:
ورد في الحديث النهي عن طلب الإمارة؛ لأن طالبها – بدون ضرورة – يغلب عليه مصلحة نفسه، لا مصلحة الأمة، وإذا غلب عليه ذلك، قصر في إقامة دين الله وأداء حقوق عباده، يضاف إلى ذلك أن المصلحة الشرعية يجب أن تُراعى عند طلبها، يجب أن تحرك السائل والمسئول تجاه التولية من عدمها؛ ولذلك فحظ النفس الذي يحرّك الإنسان لطلب الإدارة أو الإمارة هو أمر تصدت إليه الشريعة الغراء، ولذلك امتنع السلف عن طلبها، فامتنع الشافعيُّ لمّا استدعاه المأمون لقضاء الشرق والغرب، وامتنع عن طلبها أبو حنيفة لما استدعاه المنصور فحبسه وضربه، والذين امتنعوا غيرهما كثيرون.
أيها المسلمون:
أتراكم بعد هذا تخلطون بين الإمارة والعصابة؟ أتراكم تحسبون أن الحديث الشريف يقصد حكام دول الضرار في هذا القرن؟ لا، لا أظنكم تحسبون ذلك، وأربأ بكم أن تخلطوا بين الأمرين، فالحديث يتحدث عن إمارة المسلمين، وفق معايير محددة يصبح فيها الأمير أميرا، ولا يتحدث عن عصابات اغتصبوا الحكم اغتصابا، وقعدوا على كرسي الحكم لا ليحكموا المسلمين؛ بل ليتحكموا بهم وبمصائرهم وبمقدراتهم، ليسلموهم لأعدائهم لقمة سائغة. كيف لا، وقد أتوا بما لم يأت به أعتى الطغاة والجبابرة من قبلهم، خاصة بعد الثورات، فهل رأيتم حاكما يقتل شعبه أو يغتصب حرائره أو يعذبهم بصنوف العذاب حتى الموت؟ أو يدكهم بالطائرات والمدفعية دكا؟ هل سمعتم بالمغول؟ بالطبع نعم، فجحافل المغول على الرغم من أنها ملأت الأرض قتلا، إلا أنها لم تقتل شعوبها، حكامكم فاقوا المغول وحشية أيها المسلمون.
أيها المسلمون:
إن حكامكم لم يطلبوا الإمارة حتى ننزل الحديث عليهم، فإمارة المسلمين للمسلمين، أما هؤلاء الحكام الذين وضعوا مواد في دساتيرهم تجعلهم يتولون الحكم وراثة لآبائهم، فهم يفصلونها على مقاساتهم ليبقوا في الحكم سنوات وسنوات، فلا خلاص لنا منهم إلا بخلعهم وبقتلهم، ولا إمارة لهم علينا، وسنأتي بأمير المؤمنين، الذي سيحاسبهم على السنوات الخداعات، سنوات الأمة المريرة وعلى عهودهم النحسة. وسنري الأمة بعدها؛ بل العالم بأسره ما هو الحكم وكيف تكون الإمارة؟
اللهم مكّن لنا في الأرض من جديد، وارفع فيها رايات التوحيد، لنضرب كل كفر تطاول على دين الله، وبيد من حديد. اللهم آمين.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: أبو مريم