إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
النظام الاقتصادي الاشتراكي ومنه الشيوعي (ح23)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالعِشْرِينَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (صفحة 38) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنْ “النِّظَامِ الاقتِصَادِي الاشتِرَاكِي وَمِنهُ الشُّيُوعِي”.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: ثُمَّ إِنَّ جَعْلَ جِهَازَ الثَّمَنِ هُوَ الَّذِي يُقَيِّدُ التَّوزِيعَ قَد جَعَلَ الاحتِكَارَاتِ الرَّأسمَالِيَّةَ فِي الغَربِ تَخرُجُ إِلَى خَارِجِ بِلادِهَا تَبحَثُ عَنْ أسوَاقَ حَتَّى تَحصُلَ مِنهَا عَلَى المَوَادِّ الخَامِّ وَعَلَى الأَسوَاقِ لِبَيعِ مَصنُوعَاتِهَا. وَمَا يُعَانِيهِ العَالَمُ مِنَ استِعمَارٍ وَمَنَاطِقِ نُفُوذٍ وَغَزوٍ اقتِصَادِيٍّ، إِنْ هُوَ إِلاَّ نَتِيجَةَ هَذِهِ الشَّرِكَاتِ الاحتِكَارِيَّةِ، وَنَتِيجَةَ جَعْلِ الثَّمَنِ هُوَ الَّذِي يُوَزِّعُ الثَّروَةَ، فَتُجمَعُ ثَروَاتُ العَالَمِ عَلَى هَذَا الأَسَاسِ لِتُوضَعَ فِي أيدِي الاحتِكَارَاتِ الرَّأسمَالِيَّةِ, وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ جَرَّاءِ سُوءِ القَوَاعِدِ التِي نَصَّ عَلَيهَا النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ الرَّأسمَالِيُّ.
هَذَا مِنْ نَاحِيَةِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسمَالِيِّ. أمَّا مِنْ نَاحِيَةِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الاشتِرَاكِيِّ وَمِنهُ الشُّيُوعِيُّ فَإِنَّهُ نَقِيضُ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسمَالِيِّ، وَهُوَ وَإِنْ زَالَ أثَرُهُ فِي المَسرَحِ الدَّولِيِّ بِزَوَالِ الاتِّحَادِ السُّوفيَاتِيِّ الَّذِي كَانَ يَحْمِلُهُ مَحَلِّيًا وَدَولِياً، إِلا أنَّ الاطِّلاعَ عَلَى أفكَارِهِ وَنَقضَهَا وَبَيَانَ فَسَادِهَا أمْرٌ مُهِمُّ لِحَامِلِ الدَّعوَةِ الإِسلامِيَّةِ؛ لأَنَّ تِلْكَ الأَفكَارَ لا زَالَ مَنْ يَتَحَدَّثُ بِهَا، كُلَّهَا أو بَعضَهَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى نِطَاقٍ ضَيِّقٍ.
لَقَد ظَهَرَتْ أغلَبُ الآرَاءِ الاشتِرَاكِيَّةِ فِي القَرنِ التَّاسِعَ عَشَرَ، وَحَارَبَ الاشتِرَاكِيُّونَ آرَاءَ المَذهَبِ الحُرِّ مُحَارَبَةً شَدِيدَةً، أي حَارَبُوا النِّظَامَ الاقتِصَادِيَّ الرَّأسمَالِيَّ. وَكَانَ ظُهُورُ الاشتِرَاكِيَّةِ بِشَكْلٍ قَوِيٍّ نَتِيجَةً لِلظُّلمِ الَّذِي عَانَاهُ المُجتَمَعُ مِنَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسمَالِيِّ، وَلِلأخَطَاءِ الكَثِيرَةِ الَّتِي فِيهِ. وَبِاستِعرَاضِ المَذَاهِبِ الاشتِرَاكِيَّةِ يَتَبَيَّنُ أنَّهَا تَشتَرِكُ فِي ثَلاثَةِ أُمُورٍ تُمَيِّزُهَا عَنْ غَيرِهَا مِنَ المَذَاهِبِ الاقتِصَادِيَّةِ:
أوَّلُهَا: تَحقِيقُ نَوعٍ مِنَ المُسَاوَاةِ الفِعلِيَّةِ.
وَثَانِيهَا: إِلغَاءُ المِلكِيَّةِ الخَاصَّةِ إِلغَاءً كُلِّيًا أو جُزئيًا.
وَثَالِثُهَا: تَنظِيمُ الإِنتَاجِ وَالتَّوزِيعِ بِوَسَاطَةِ المَجمُوعِ.
وَلَكِنَّهَا مَعَ اتِّفَاقِهَا فِي هَذِهِ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ تَختَلِفُ عَنْ بَعضِهَا اختِلافًا بيِّنًا فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ أهَمُّهَا:
أولاً: تَختَلِفُ المَذَاهِبُ الاشتِرَاكِيَّةُ مِنْ حَيثُ شَكْلُ المُسَاوَاةِ الفِعلِيَّةِ الَّتِي تُرِيدُ تَحقِيقَهَا. فَفِئَةٌ تَقُولُ بِالمُسَاوَاةِ الحِسَابِيَّةِ، وَيُقصَدُ بِهَا المُسَاوَاةُ فِي كُلِّ مَا يُنتَفَعُ بِهِ، فَيُعطَى لِكُلِّ فَردٍ مِنهُ مَا يُعطَى لِلآخَرِ. وَفِئَةٌ تَقُولُ بِالمُسَاوَاةِ الشُّيُوعِيَّةِ، وَيُقصَدُ بِهَا أنْ يُرَاعَى فِي تَوزِيعِ الأَعمَالِ قُدرَةَ كُلِّ فَردٍ، وَيُرُاعَى فِي تَوزِيعِ النَّاتِجِ حَاجَاتُ كُلِّ فَردٍ. وَالمُسَاوَاةُ تَتَحَقَّقُ عِندَهُمْ إِذَا مَا طُبِّقَتِ القَاعِدَةُ الآتِيَةُ: “مِنْ كُلٍّ حَسَبَ قُوَّتِهِ أيْ قُدرَتِهِ (وَيُرَادُ بِهَذَا العَمَلُ الَّذِي يَقُومُ بِهِ) وَلِكُلٍّ حَسَبَ حَاجَتِهِ (وَيُرَادُ بِهِ مَا يُوَزَّعُ مِنَ الإِنتَاجِ)”. وَفِئَةٌ تَقُولُ بِالمُسَاوَاةِ فِي وَسَائِلِ الإِنتَاجِ، مِنْ حَيثُ أنَّ الأَشيَاءَ لا تَكفِي فِي الوَاقِعِ لِسَدِّ حَاجَاتِ كُلِّ الأفرَادِ، فَيَجِبُ أنْ تَكُونَ قَاعِدَةُ التَّوزِيعِ (مِنْ كُلٍّ حَسَبَ قُوَّتِهِ، أي قُدرَتِهِ وَلِكُلٍّ بِنِسبَةِ عَمَلِهِ) وَتَتَحَقَّقُ المُسَاوَاةُ إِذَا تَهَيَّأَ لِكُلِّ فَردٍ مِنْ وَسَائِلِ الإِنتَاجِ مِثلُ مَا لِلآخَرِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ أحبتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
- جَعلُ جِهَازِ الثَّمَنِ يُقَيِّدُ التَّوزِيعَ جعَلَ الاحتِكَارَاتِ تَخرُجُ إِلَى خَارِجِ بِلادِهَا تَبحَثُ عَنْ أسْوَاق.
- مِنْ جَرَّاءِ سُوءِ قَوَاعِدِ النِظَامِ الرأسمالي تُجمَعُ ثَروَاتُ العَالَمِ لِتُوضَعَ فِي أيدِي المحتَكِرِينَ الرَّأسمَالِيِّينَ.
- النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ الاشتِرَاكِيُّ وَمِنهُ الشُّيُوعِيُّ نَقِيضُ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسمَالِيِّ.
- زَالَ أثَرُ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الشُّيُوعِيِّ فِي المَسرَحِ الدَّولِيِّ بِزَوَالِ الاتِّحَادِ السُّوفيَاتِيِّ الَّذِي كَانَ يَحْمِلُهُ مَحَلِّيًا وَدَولِياً.
- الاطِّلاعُ عَلَى أفكَارِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الاشتِرَاكِيِّ وَنَقضُهَا وَبَيَانُ فَسَادِهَا أمْرٌ مُهِمٌ لحَامِلِ الدَّعوَةِ.
- ظُهُورُ الاشتِرَاكِيَّةِ بِشَكْلٍ قَوِيٍّ كَانَ نَتِيجَةً لِلظُّلمِ الَّذِي عَانَاهُ المُجتَمَعُ مِنَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسمَالِيِّ, وَلِلأخَطَاءِ الكَثِيرَةِ الَّتِي فِيهِ.
- المَذَاهِبُ الاشتِرَاكِيَّةُ تَشتَرِكُ فِي ثَلاثَةِ أُمُورٍ تُمَيِّزُهَا عَنْ غَيرِهَا مِنَ المَذَاهِبِ الاقتِصَادِيَّةِ:
أوَّلُهَا: تَحقِيقُ نَوعٍ مِنَ المُسَاوَاةِ الفِعلِيَّةِ. وَانقَسَمَتْ هَذِهِ المَذَاهِبُ إِلَى ثَلاثِ فِئَاتٍ:
أ- فِئَةٌ تَقُولُ بِالمُسَاوَاةِ الحِسَابِيَّةِ, فَيُعطَى لِكُلِّ فَردٍ مِنهُ مَا يُعطَى لِلآخَرِ.
ب- وَفِئَةٌ تَقُولُ بِالمُسَاوَاةِ الشُّيُوعِيَّةِ, وَتَتَحَقَّقُ عِندَهُمْ بِتَطبِيقِ القَاعِدَةِ الآتِيَةِ: “مِنْ كُلٍّ حَسَبَ قُوَّتِهِ, وَلِكُلٍّ حَسَبَ حَاجَتِهِ”.
ت- وَفِئَةٌ تَقُولُ بِالمُسَاوَاةِ فِي وَسَائِلِ الإِنتَاجِ، وَتَتَحَقَّقُ عِندَهُمْ بِتَطبِيقِ القَاعِدَةِ الآتِيَةِ: “مِنْ كُلٍّ حَسَبَ قُوَّتِهِ, وَلِكُلٍّ بِنِسبَةِ عَمَلِهِ”.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ تتَمَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.