على أبواب شهر رمضان لنشحذ هممنا
يحل علينا شهر رمضان الكريم هذا العام، بواقع يختلف عنه في الأعوام الماضية بعض الشيء، ليس ذلك من ناحية ما تعيشه الأمة الإسلامية من اضطهاد وقتل وتجويع ونهب ثروات وغيرها من النكبات، واكتواء البشرية جمعاء بنير الرأسمالية فقط، بل لقد جاءت هذه الجائحة (جائحة كورونا) لتزيد من بؤس الأمة وضنك عيشها، وفي الوقت نفسه، جاءت لتُظهر أكثر وأكثر فساد المبدأ الرأسمالي وانحطاطه وإجحافه في حق البشرية عامة، والمسلمين بشكل خاص، ولتؤكد ما نقوله دائما أنه لا جانب إيجابياً في هذا المبدأ فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصحيا وتعليميا وعسكريا، وليؤكد أن صفات المنتَج لا بد إلا أن يعكس واقع المنتِج من حيث العجز والنقص والتخبط.
نستقبل هذا الشهر الكريم وكلنا أمل وتفاؤل، فنحن أمة لا تعرف اليأس، فلعل مشيئة الله تعالى في حصول وتفشي هذا الوباء حتى يجعل العالم ينظر إلى الواقع بمنظار أكبر دقة وأكثر وضوحا.
إننا وفي هذا الواقع الحالي، نستبشر قرب نهاية النظام الرأسمالي المقيت، وعودة تصدر النظام الإسلامي والذي عاشت الأمة الإسلامية قرونا تنعم في كنفه بعز الإسلام، وحتى تعود تلك الأيام، لا بد من أن ترخص لعودتها النفوس والأموال، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 111]
لكن واقع المسلمين اليوم يظهر للأسف أن المفاهيم لديهم مقلوبة، فهم يسارعون لأمور الدنيا ويتباطؤون في أمور الآخرة، والله سبحانه وتعالى وهو يخاطبنا في أمور الآخرة يقول: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ لكنه في أمور الدنيا والعمل لها يخاطبنا سبحانه وتعالى بقوله: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ أي مشي الهوينا غير مسارعين.
وهنا لعلنا نبرق برسالتين:
الأولى: للمسلمين الموحدين الذين لم يلتحقوا بعد بركب العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية. يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [التوبة: 38]
ليست الفروض فقط هي التي تنادون بها في دروسكم وفي المساجد والمقتصرة على العبادات تقريبا، وإنما هناك تاج تتوج به جميع الفروض ولا تتم إقامة تلك الفروض إلا بإقامته، إنه فرض العمل لإعادة حكم الله في الأرض (الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة)، ولا يتم هذا الفرض بجلوسنا في بيوتنا وفي مساجدنا ندعو الله وكفى، بل لا بد من التضحية فهي من متعلقاته اللازمة له وتأخذ حكمه، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فاجعلوا أيها المسلمون فيما قدمه الصحابة رضوان الله عليهم من إصرار على تقديم التضحيات وعزيمة على المضي في بذل أكبر قدر ممكن من الجهد، نبراساً لكم وقدوة، لتنجوا بأنفسكم يوم الحساب، يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: “أخوف ما أخاف على نفسي أن أقف بين يدي الله يوم القيامة فيقال لي قد علمت فماذا عملت؟”
أما الرسالة الثانية فأبرقها لإخواني وأخواتي حملة الدعوة، وأقول: إن المصباح يحتاج إلى شعلة ليضيء، ونحن بأخذنا على عاتقنا قيادة الأمة للأخذ بأيدي أبنائها نحو النجاة من مستنقع الرأسمالية المقيتة، لا يليق بنا إلا أن يكون مشعل مصباحنا عاليا جدا يشع نورا يملأ الآفاق، فلا مكان للفتور والتكاسل. وعظم المسئولية الملقاة على عاتقنا تجعلنا أثقل حملا وأشد حرصا، ونسأل الله أن نكون من العالمين العاملين المخلصين حتى نتقي نار جهنم، يقول رسول الله e: «العَالِمونَ في النَّارِ إِلَّا العَامِلينَ، والعَامِلونَ في النَّارِ إِلَّا المُخْلِصينَ، والمُخْلِصونَ في بَلاءٍ عَظيمٍ».
لقد آن أوان تجديد الهمة وعقد العزم على أن نستمر في العمل واصلين الليل بالنهار حتى الوصول إلى هذا الهدف العظيم الذي التحقنا بركب الدعوة من أجله، مرددين قول الرسول e لزوجه خديجة: «لَا رَاحَةَ بَعْدَ اليَوْمِ»، فهذا أوان الشجاعة والإقدام، أوان مغادرة أنفاق الفتور والدعة، لنستمر في العمل صادعين بالحق، صاعدين غير سامحين لأنفسنا بالوقوف لأن ما بعد الوقوف يأتي الانحدار.
وإننا بدأنا منذ ما يقارب السبعة عقود من الزمان سفرنا الطويل، وقريبا بإذن الله نضع رحالنا، ونحن في هذا السباق عيوننا ترنو إلى نهاية الهدف الذي خرجنا من أجله، والمتسابق عندما يقترب من الوصول إلى نهاية السباق فإنه يوسع من خطواته ويزيد من سرعته، فإلى توسيع خطواتنا وتكثير وتكثيف أعمالنا والتسابق إلى مغفرة من الله ندعوكم، فوعد الله آت بإذن الله لا محالة ولا نريد أن نضيع هذه الفرصة ونترك لغيرنا نيل الشرف دوننا فنندم، والعياذ بالله، فهل يدرك المفاخر من كان في الصف الآخِر؟!
وحتى يراجع كل منا كشف حساب أعماله لا بد من التذكير بخطبة الخليفة الأول أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه حين قال: “اعلَموا عبادَ اللهِ أنكم تَغْدونَ وتَروحونَ في أجَلٍ قَدْ غُيِّبَ عنكم عِلمُه، فإن استطعتم أن تنقضيَ الآجالُ وأنتم في عملٍ للهِ فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلَّا بالله، فسابِقوا في ذلك مَهْلَ آجالِكم قبل أن تنقضيَ فيَرُدّكُم إلى أسوأ أعمالِكم، فإن أقواماً جعلوا آجالهم لغيرهم ونَسوا أنفسَهم، فأنْهاكُمْ أن تكونوا أمثالهم، فالوَحا الوَحا.. والنَجا النَجا، فإن وراءَكُمْ طالِباً حَثيثاً أمْرُهُ سَريعٌ”.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
راضية عبد الله
2020_04_17_Art_At_the_gates_of_Ramadan_we_sharpen_the_vigor_AR_OK.pdf