المهندسون.. عقول مبدعة تُهدرها حكومات بائسة
الخبر:
في وقت وجيز وظروف استثنائية، عرضت المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس ـ تونس بتاريخ التاسع عشر من نيسان/أبريل 2020 معرضا للصناعات النموذجية القابلة للتطوير كطائرات دون طيار وأجهزة التنفس الصناعي وأجهزة قياس الحرارة وآلات التعقيم، صنّعها مهندسون شبّان بمهارات عالية وتقنيات مبتكرة.
التعليق:
طاقات مبدعة تبذل جهودا جبّارة في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم، لتُبرهن للحكومات المحليّة والدوليّة أن طاقات شباب المسلمين وعقولهم بإمكانها أن تزاحم الطاقات العالمية في التصنيع والابتكار وتحقيق الاكتفاء الذاتي لحكوماتها ممّا يُغنيها عن التسوّل واستجداء الغرب والشرق في كل نائبة.
ولعلّ موضوع التصنيع قد يبدو للوهلة الأولى أنه موضوع اقتصادي، لكنّه في أساسه موضوع سياسي مرتبط باستقلاليّة الدولة ومبدئيّتها وقدرتها على تنمية ثرواتها وحسن استغلالها ودعمها للطاقات العلميّة والفكرية، وهذا ما نقصد به بسياسة بناء الدولة صناعيّا والذي لا يمكن أن يتحقق إلا ببنائها مبدئيا.
إنّ عقليّة العجز والانهزاميّة قد لازمت أبناء هذه الأمة لعقود من الزمان، أمام غطرسة الأنظمة العالميّة التي بالغت في تصنيفنا كأمة إسلامية بالشعوب المتخلفة والنامية ودول للعالم الثالث حسب نظرتها الرأسمالية المتعجرفة التي فرضت قواعد اقتصادية وحطّمت قواعد أخرى بشكل يُعزّز تبعيّة اقتصاديّات البلاد الإسلامية لها.
وإن من أكبر المغالطات وأشنعها التي عاشتها البلاد الإسلامية ولا زالت، أنّ مشكلة التخلّف الاقتصادي والعجز الصناعي هي مشكلتنا كأفراد لهذه الأمّة، وليست مشكلة حكومات تابعة ومتسوّلة، أو أنظمة مهترئة وبالية، ممّا جعل الغرب يسبقنا بأشواط في التصنيع والتقدم التكنولوجي والاختراع العلمي في مجالات عديدة.
إنّ توفّر التكنولوجيا في بلادنا الإسلامية واستخدامها وكثرة المهندسين والفنيين القادرين على إدارتها وتشغيلها لا يمكن اعتباره مكسبا لنا كأمّة أو كشعوب ما دام امتلاك هذه التكنولوجيا وتصنيعها يخضع للقواعد الاستعمارية في سياسة التصنيع والتي تمنع الصناعات التحويليّة (كالآلات والصناعات الثقيلة) رغم ما تزخر به بلادنا الإسلامية من مواد خام كالمعادن والمحروقات.
لذلك فمن مصلحة الغرب توفير التكنولوجيا والصناعات في بلادنا الإسلاميّة للانتفاع ببيعها وفرض سيطرته الاقتصادية على الدول المستوردة، أما امتلاكها وكيفيّة تصنيعها فهو تهديد للدول الغربية لا يمكن أن تقبل به القوى الاستعماريّة المتنفّذة.
ولعلّ معرض المهندسين هذا قد أقام الحجّة على حكومته المرتعشة ومن سبقها ممّن أجحفوا في محاولة إقناع الناس بأنهم عاجزون عن التصنيع، لكنّه قد يُربك أطرافا أخرى تعي جيّدا أهميّة امتلاك التكنولوجيا وتصنيعها، ولهذا فإن هذه الطاقات الشبابية المبدعة إمّا أن تقابل من حكومتها بالتهميش والتغطية عليها لتثبيطها، أو أن تُقابل بالترحيب والتدافع عليها من جهات أجنبيّة لاستغلالها!
إن للإسلام نظرته الخاصّة في سياسة بناء الدولة صناعيّا، ونظام الاقتصاد في الإسلام قد فصّل وأصّل سياسة التصنيع وفق أحكامها الشرعيّة، ودولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوّة ستثبت جدارتها وقدرتها على أن تكون الدولة الأولى في العالم في جميع المجلات، استنادا على سياستها الصناعيّة المبدئية وثرواتها المتنامية التي حباها بها الله، والطاقات المبدعة لأبنائها الذين يكرّسون جهودهم لنيل شرف الدنيا ونعيم الآخرة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري