بشراكم يا أهل الشام
يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 138-142]
تحدد هذه الآيات صفة عظيمة من صفات المؤمنين، ألا وهي أنهم الأعلون بإيمانهم، وإنما ينحدرون عن هذه الصفة إن هم انقلبت شجاعتهم جبنا، ويقينهم بالله وأنه الناصر شكّاً، وإذا ما انقلب رجاؤهم بالله يأسا، فهذا حال من وهن، كمن وهنت عظامه ولم تعد تقوى على حمله، فلا تهنوا عباد الله، ولا تحزنوا لما أصابكم في جنب الله، والوهنُ والحزن حالتان للنفس تنشآن عن اعتقاد الخيبة والرزء فيترتّب عليهما الاستسلام وترك المقاومة، فإن تركتم المقاومة وأنتم الأعلون فمن لها؟ من ينصر دين الله ويعلي كلمته؟ من يرتضي لنفسه أن يهبط من علياء أن يكون الأعلى بأنه مؤمن قريب من الله تعالى، لينحدر إلى دركات الخيبة واليأس والاستسلام؟ ألأنه أصابكم قرح؟ وأصابتكم شدة؟ وأصابتكم بأساء وضراء؟ ألهذه الزلازل التي نزلت بساحتكم اختبارا وابتلاء من الله تعالى لكم؟ فإن الله تعالى قبل أن يذكركم بحال عدوكم وما به من قرح وبأساء، فإنه يبشركم في نفس الآية بأنكم الأعلون مستقبلا لأنكم أهل لذلك بأنكم أنتم المؤمنون، فالواو في قوله: وأنتم الأعلون، للعطف وهذه بشارة لهم بالنَّصر المستقبل، فالعلوّ هنا علوّ المنزل، فطالما أنكم مؤمنون فأنتم الأعلون منزلة والغلبة لكم، وإن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يمسككم قرح، فقد مس أمريكا وعملاءها من نظام الأسد المتهالك وإيران التي نخر السوس عظامها ووهنت ولم تعد تقوى على الوقوف من شدة ما لقيت من عناء وهي تجدكم سدا منيعا وقف في وجه مخططاتها الإجرامية، وقد مس روسيا ضراء صبركم وثباتكم على نصرة دينكم وهي التي أخشى ما تخشاه أن تكونوا نواة دولة إسلامية حقيقية تكون روسيا حديقتها الخلفية، فتنصروا شعوبا من إخوانكم المسلمين ممن آذاهم الروس وحاولوا صرفهم عن دينهم سنين طويلة وما استطاعوا، فأصاب روسيا من صبركم وثباتكم هذا العنت، والضر، والقرح، وهي لن تقوى على أن تبقي طائراتها في سمائكم، ولا راجمات حقدها منصبة عليكم، فما هي إلا ساعة تصبرونها فتستحقون بها النصر، ويهلك الله بكم عدوكم ويستخلفكم في الأرض.
نعم تلك الأيام نداولها بين الناس، اليوم يحاول عدوكم الأكبر أمريكا أن لا تنتهي دولته في أرضكم على أيديكم، فتقلبوا في وجهه النظام العالمي كله، بزلزال أوله في دمشق الأموية، أو حلب الناصر صلاح الدين، وآخره أن تعيدوا أمجاد الإسلام الأولى رغم أنف أمريكا، فتعود الدولة لكم، وتلك الأيام نداولها بين الناس.
وما هذا التمحيص إلا ليعلم الله أيكم المؤمن حقا، وليعلم الذين آمنوا، وثبتوا، وصبروا وصابروا ورابطوا، ويصطفي منكم شهداء، نعم إن الله تعالى يصطفي الشهداء من بين خلقه اصطفاء، فقد قال تعالى: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء﴾، وأما عدوكم فقد أعلمه الله أنه لا يحب الظالمين، وويل لمن بارز الله العداء، فالله تعالى يمهل ولا يهمل، وما زال هذا البلاء يشتد حتى يمحص الله تعالى به المؤمنين تمحيصا ثم يكون به نفسه محق للكافرين: وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، فبشراكم، إن محق عدوكم لآت، أم حسبتم يا معاشر المؤمنين أن تدخلوا الجنة بلا اصطفاء وبلا ابتلاء وبلا جهاد ومجاهدة، وبلا صبر واحتساب عند الله؟
والحمد لله رب العالمين